شهدت قضية الصحراء خلال السنة الماضية تطورات متلاحقة، إذ قامت ميليشيات البوليساريو بالتوغل عدة مرات في المنطقة العازلة، كما سجلت قضية الصحراء حضورها داخل أروقة القضاء الأوروبي، من خلال الاتفاقيات التي وقعها المغرب مع الاتحاد الأوروبي، كما أن القضية كانت حاضرة داخل مجلس الأمن الدولي، حيث اعتمد بشأنها قرارين، في شهر أبريل وشهر أكتوبر. ورغم معارضة المغارب لأي دور للاتحاد الإفريقي في إيجاد تسوية للنزاع، إلا أن المنظمة القارية وضعة قضية الصحراء على أجندتها خلال السنة الماضية.
ومن جهة أخرى بدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكثر اهتماما بقضية الصحراء، خصوصا بعد تعيين جون بولتون المعروف بقربه من صناع القرار في الجزائر، في منصب مستشار الأمن القومي.
الوضع في الصحراء خلال سنة 2018
في 3 يناير من سنة 2018، توغلت ميليشيات البوليساريو داخل المنطقة العازلة الواقعة شرق الجدار الرملي، وجاءت هذه الخطوة بعد مرور يومين فقط من اعتراض مليشياتها للمشاركين في رالي تحدي الصحراء، قبل أن تتدخل بعثة المينورسو.
وفي 7 يناير نبه المغرب كبار المسؤولين في الأمانة العامة للأمم المتحدة، وأعضاء مجلس الأمن الدولي، لخطورة ما أقدمت عليه جبهة البوليساريو، وطالب بالانسحاب الفوري للبوليساريو دون شروط من المنطقة العازلة.
وهددت المملكة في حينه على لسان الممثل الدائم للمغرب بالأمم المتحدة، عمر هلال، بأن لصبرها حدود، وأنها لن تسمح بتغيير الوضع القائم.
وفي 12 يناير استقبل وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت الممثل الخاص الجديد للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة رئيس بعثة "المينورسو"، كولين ستيوارت، وحذر من تداعيات استفزازات البوليساريو في المنطقة العازلة.
وفي الأسبوع الثالث من شهر مارس، أعلنت جبهة البوليساريو عن نيتها نقل بعض مقارها إلى المنطقة العازلة. بعد ذلك عبر مجلس الأمن الدولي عن قلقه من توغلات جبهة البوليساريو في المنطقة العازلة، مؤكدا ضرورة الالتزام بتنفيذ القرار 2351، الصادر فلي شهر أبريل من سنة 2017.
ومع بداية شهر أبريل، أقدمت جبهة البوليساريو، على التوغل مجددا في المنطقة العازلة، وهو ما جعل المغرب يؤكد أنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا الاستفزاز الجديد.
إثر ذلك أكد المغرب أن تحريك أي بنية تابعة للبوليساريو إلى شرق الجدار الرملي سيشكل "عملا مؤديا إلى الحرب"، مضيفا أن انتهاكات جبهة البوليساريو المتكررة تتناقض والعملية السياسية التي تحتاج إلى ظروف مواتية.
وحملت المملكة الأمم المتحدة الانتهاكات التي تقوم بها ميليشيات تابعة لجبهة البوليساريو للمناطق العازلة. وفي الرابع من شهر أبريل راسل الملك محمد السادس الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريس، وأكد له أن "الوضع خطير ولن نسمح بتغيير الوضع على الأرض وعلى الجزائر أن تتحمل مسؤوليتها"
ويوم 27 أبريل اعتمد مجلس الأمن قرارا جديدا بخصوص الصحراء، ومدد ولاية بعثة المينورسو لستة أشهر فقط، عوض سنة كما كان معمولا به في السابق، كما دعا القرار البوليساريو والمغرب إلى الانخراط في العملية السياسية، وعبر أعضاء المجلس عن قلقهم بشأن تواجد ميليشيات البوليساريو في المنطقة العازلة.
وبعد أيام وجدت جبهة البوليساريو نفسها مضطرة للانسحاب من منطقة الكركرات، وحاولت التغطية على فلشلها، ووصفت انسحابها بإعادة الانتشار.
وفي الأسبوع الثالث من شهر ماي، أعلنت جبهة البوليساريو عن نيتها تنظيم استعراضات عسكرية في منطقة تفاريتي الواقعة شرق الجدار الرملي، وهو ما جعل المغرب يحتج، معتبرا أن تصرفات الجبهة الانفصالية غير مقبولة.
قضية الصحراء في مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي
في 12 يناير التقى الجزائري إسماعيل أشرقي رئيس مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، المبعوث الأممي لنزاع الصحراء هورست كوهلر، محاولا إقناعه بإشراك المجلس الذي يترأسه في إيجاد تسوية لنزاع الصحراء. مباشرة بعد ذلك اجتمع كوهلر بالرئيس الرواندي بول كغامي باعتباره رئيسا للاتحاد الإفريقي من أجل مناقشة قضية الصحراء، كما اجتمع برئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي التشادي موسى فاكي.
ونهاية شهر يناير دعا البيان الختامي لأشغال الدورة العادية 30 لقمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، البوليساريو والمغرب إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بمساعدة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، من أجل تنظيم استفتاء حر ونزيه لتقرير مصير الصحراء الغربية، كما دعت القمة إلى إلغاء مؤتمر كرانس مونتانا الذي تستضيفه مدينة الداخلة، وتبنت القمة أيضا مجموعة من مطالب البوليساريو، وهو ما اعتبر في حينه إخفاقا غير مسبوق للدبلوماسية المغربية، منذ انضمام المملكة للمنظمة القارية.
وخلال شهر فبراير حاولت جبهة البوليساريو استغلال، موقف الاتحاد الإفريقي من قضية الصحراء، ووصل الأمر إلى حد مطالبة "وزير خارجيتها" محمد سالم ولد السالك بتدخل الاتحاد الإفريقي عسكريا من أجل وضع حد للنزاع الذي عمر طويلا.
وفي 14 فبراير التقى كوهلر بوزير الخارجية الموريتاني السابق اسكلو ولد أحمد إزيد بيه في برلين، وبعد يوم من ذلك التقى المسؤول الأممي بوزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل في برلين، من أجل مناقشة قضية الصحراء.
وفي 6 مارس، جدد الوفد المغربي الذي اجتمع بالمبعوث الأممي هورست كوهلر، عدم قبول المملكة لأي دور للاتحاد الإفريقي في تسوية النزاع.
لكن بعد أسبوع من ذلك تجاهل رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، التشادي موسى فاكي، الموقف المغربي، وأعلن عن نيته إعداد مقترح لتسوية النزاع من العاصمة الجزائرية، بعد اجتماعه بكبار المسؤولين في قصر المرادية.
ويوم 19 يونيو توجه موسى فاكي إلى مخيم الرابوني بتندوف، والتقى قياديين في جبهة البوليساريو، علما أنه حل قبل ذلك بالرباط حيث التقى مسؤولين مغاربة.
وفي نهاية شهر يونيو قام المبعوث الأممي هورست كوهلر بزيارة إلى المنطقة، وتوجه إلى مدن العيون والسمارة والداخلة، وأجرى مباحثات مع شيوخ وأعيان القبائل، وممثلي المجتمع المدني.
وبداية شهر يوليوز، احتضنت العاصمة الموريتانية، قمة جديدة للاتحاد الإفريقي، وهي القمة التي قدمت فيها الدبلوماسية المغربية بعض التنازلات.
وفي الأسبوع الأخير من شهر شتنبر دعا المبعوث الأممي هورست كوهلر، المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو إلى اجتماع بجنيف.
وفي اليوم من شهر نونبر صادق مجلس الأمن الدولي على القرار 2440، والذي يقضي بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية لستة أشهر فقط. القرار ذاته أكد أنه "من المهم بالنسبة للأطراف أن تجدد التزامها بدفع العملية السياسية إلى الأمام، في أفق عقد جولة خامسة من المفاوضات".
ويومي 5 و 6 دجنبر انعقد اجتماع "المائدة المستديرة" بجنيف بين المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا، تحت إشراف المبعوث الأممي هورست كوهلر، الذي قال في نهاية الاجتماعات إن الحل السلمي لنزاع الصحراء ممكن، ولا أحد يستفيد من بقاء الوضع على ما هو عليه.
قضية الصحراء والقضاء الأوروبي
في 10 يناير قدم المدعي العام بمحكمة العدل الأوروبية، ملكيور واثليت، رأيا استشاريا، قال فيه إن اتفاق الصيد البحري المبرم بين الاتحاد الاوروبي والمغرب سنة 2014، يعتبر اتفاقا "غير قانوني" لأنه ينتهك "حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير". وفي اليوم الموالي طمأنت مفوضية الاتحاد الأوروبي المغرب، مؤكدة أن القرار النهائي ستصدره محكمة العدل الأوروبية.
في الأسبوع الثاني من شهر فبراير، شرعت المفوضية الأوروبية في إجراء سلسلة من المشاورات، مع منتخبي الصحراء، وكذا ممثلين عن جبهة البوليساريو، بخصوص اتفاق الصيد البحري الموقع بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
وفي يوم 23 فبراير، أصدر القضاء الجنوب إفريقي قراره النهائي بخصوص شحنة الفوسفاط المغربية التي كانت محتجزة بميناء بورت إليزابيت بجنوب افريقيا إثر شكاية تقدمت بها جبهة البوليساريو، وجاء القرار في صالح الانفصاليين.
وفي يوم 27 فبراير أعلنت محكمة العدل الأوروبية قرارها بخصوص اتفاق الصيد البحري الموقع سنة 2014 بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وقالت إنه لا ينطبق على المياه المجاورة للصحراء الغربية، وهو ما اعتبرته البوليساريو انتصار لها.
بعد القرار، هدد عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري الاتحاد الأوروبي بالبحث عن شركاء تجاريين جدد، فيما قطعت الحكومة المغربية اتصالاتها بمؤسسات الاتحاد الأوروبي، وقال رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إن سيادة المغرب على صحرائه خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
وفي الأسبوع الثالث من شهر مارس اقترحت المفوضية الأوروبية، ابرام اتفاق جديد للصيد البحري مع المغرب، يضم مياه الصحراء الغربية، وهو ما جعلها عرضة لهجوم جبهة البوليساريو التي هددت باللجوء مجددا إلى القضاء الأوروبي.
وفي 16 أبريل حصلت المفوضية الأوروبية على الضوء الأخضر للدخول في مفاوضات مع المغرب بغية تجديد اتفاق الصيد البحري، وهو ما جعل جبهة البوليساريو تتهمها بتبني الموقف المغربي من نزاع الصحراء.
ويوم 19 يوليوز، توصل المغرب والاتحاد الأوروبي إلى مشروع اتفاق جديد للصيد البحري، وهو الاتفاق الذي شمل أيضا مياه الصحراء الغربية.
وحظي الاتفاق الفلاحي، واتفاق الصيد البحري، بمصادقة عدد من اللجان داخل البرلمان الأوروبي، وهو ما جعل جبهة البوليساريو تهدد باللجوء مجددا إلى القضاء الأوروبي، وتحذر بروكسيل من التأثير على جهود المبعوث الأممي لحل النزاع.
إدارة ترامب وقضية الصحراء
في 22 مارس قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعيين جون بولتون، في منصب مستشار الأمن القومي، بدلا من الجنرال ماكماستر، علما أن بولتون معروف بقربه من الجزائر والبوليساريو. وفي يوم 29 مارس قام قام السفير الأمريكي في الجزائر جون ديدروخ، بزيارة إلى مخيمات تندوف، ورغم أنه لم يلتق أي عضو من قيادة جبهة البوليساريو إلى أن زيارته أثارت الكثير من علامات الاستفهام.
ويوم 29 غشت قال رودني هنتر المنسق السياسي لبعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، إن بلاده لا تستطيع تحت أي ظرف من الظروف، الاستمرار في دعم بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام التي توجد في مناطق النزاع لعشرات السنين دون تحقيق أي تقدم على أرض الواقع.
وأشار في كلمته إلى بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية، المتواجدة بالصحراء منذ سنة 1991، و قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص التي أنشئت سنة 1964 لوقف القتال بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأترك.
وعقب المصادقة على القرار 2440، قال جوناثان ر. كوهن، نائب المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، إن بلاده "تشجع التقدم المحرز في الأشهر الستة الأخيرة، نحو استئناف المحادثات المباشرة بشأن الصحراء الغربية"، وأنها لن تدع هذا النزاع "يقع طي النسيان".
وأضاف أن "المائدة المستديرة التي من المرتقب أن تعقد في شهر دجنبر ليست سوى خطوة أولى. يجب أن يكون هذا الاجتماع بداية لعملية تفاوض كاملة نحو حل سياسي دائم للنزاع حول الصحراء الغربية".
ويوم 13 دجنبر حل مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، ضيفا على مؤسسة "هيريتيج فاونديشن" بواشنطن، وعبر عن خيبة أمله من عدم التوصل إلى حل لنزاع الصحراء الذي عمر طويلا. ويوم 18 دجنبر حل وفد من السفارة الأمريكية في المغرب، بمدينة العيون، وزار مقر بعثة المينورسو.