يوم 19 ديسمبر 2010، بسيدي بوزيد، و هي منطقة فلاحية في وسط تونس، أضرم محمد البوعزيزي، البالغ من العمر 26 سنة و الذي كان يبيع الخضر و الفواكه، النار في نفسه بعد محاولة يائسة منه لاسترجاع العربة و الميزان اللذان انتزعهما منه أعوان السلطة، فأجج فعل محمد البوعزيزي (اسمه الحقيقي طارق البوعزيزي) هذا غضب سكان هذه المنطقة الفقيرة الذين نزلوا إلى الشارع مضرمين النار في كل أعمدة البنايات في جميع ربوع الجمهورية، و بعد مرور أسبوعين، مات محمد البوعزيزي من دون أن يعلم أن وفاته ستضع حدا لمجموعة من الأنظمة و ستفتح عهدا جديدا في العالم العربي.
فعل ثوري
كان الرئيس ابن علي أول من ترك السلطة في الرابع عشر من يناير، بعد 23 سنة من الحكم، تحت ضغط الانتفاضة الشعبية التي شملت كل مناطق البلاد، و هو الشيء الذي أجبره على الرحيل ليبحث عن مأوى له في المملكة العربية السعودية، إنها "ثورة الياسمين" و هي التجربة التي خاضها المصريون على شاكلتهم و بطريقتهم الخاصة، ففي بلاد الفراعنة، فإن رمزية ميدان التحرير جسدت حركية الشعب، و لم يستطع نظام حسني مبارك الصمود لأكثر من أسبوعين من بداية الثورة بعد المظاهرات الحاشدة بالقاهرة و بباقي مدن البلاد الكبرى، وفي 11 فبراير، تنحى الرئيس العجوز تحت وطأة الضغوط الشعبية، الشيء الذي جعل الليبيين يدركون بعد ذلك أن انهيار نظام العقيد القذافي بات بين قوسين أو أدنى.
من الثورة إلى المأساة
اشتدت حدة الاحتجاجات ابتداءا من 15 فبراير، و ارتفعت وثيرتها انطلاقا من بنغازي رغم القمع الذي مارسته قوات النظام على المتظاهرين، ولقد استغل الغرب هذه الفرصة بامتياز للوصول إلى الزعيم الذي ظل معاندا منذ 1969، و نص القرار الأممي، الذي دعمته قطر، على مباشرة إطلاق النار على كتائب القذافي في ليبيا ابتداء من 20 مارس، فتحولت الثورة إلى مأساة ثم تهاوى نظام القذافي، و بعد أن لاذ بالفرار جراء هزيمته، ألقي عليه القبض و عذب و قتل بطريقة وحشية يوم 20 أكتوبر، ليكون بذلك ثالث قائد عربي وضع له "الربيع العربي" حدا نهائيا، إلا أن البعض ظل متشبثا بالحكم رغم العواصف الهوجاء التي تعصف بنظامهم، كما هو الحال بالنسبة للرئيس اليمني عبد الله صالح و نظيره السوري بشار الأسد، رغم استمرار سفك الدماء و هدر الأرواح، و إذا كان تضامن ممالك الخليج قد عمل على تعتيم "الثورة" بالبحرين، فإن هناك مملكتين تفاعلتا إيجابا أو أدركوا نوعا ما كيف يستبقا الثورة كما هو الحال بالنسبة للأردن و المغرب.
التقدم على الطريقة المغربية
اجتاحت المغرب موجة الاحتجاجات بداية من 20 فبراير، دافعة بذلك الملكية المغربية إلى الاستجابة السريعة لمطالب المحتجين قصد امتصاص غضب الشارع، فجاء الخطاب الملكي يوم 9 مارس، معلنا عن إصلاح دستوري استجابة لمطالب حركة 20 فبراير التي تطالب بتقليص صلاحيات الملك و بتبني ملكية برلمانية، فكان تعيين لجنة استشارية لمراجعة الدستور، والتي عكفت ثلاثة أشهر من أجل إعداد القانون الجديد، و ذلك استنادا إلى اقتراحات الفاعلين السياسيين وكذلك إلى اقتراحات المجتمع المدني، ليدخل بذلك الدستور الجديد حيز التطبيق ابتداء من فاتح يوليوز بنسبة تصويت وصلت إلى 98 بالمائة.
ولازال الأمين العام لحزب العدالة و التنمية، الفائز في الانتخابات البرلمانية المبكرة، يصارع من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، و كان هذا الحدث هو آخر حدث ضمن الوثائقي المعنون ب"الاستثناء المغربي" الذي تميز إجمالا بإصلاحات سلمية على خلاف العديد من الدول العربية، و يتعلق الأمر في المملكة المغربية "بالتقدم" و ليس "بالثورة"، و في هذه المرحلة الحرجة التي يعرفها العالم العربي، لا أحد يجرؤ على التكهن بما سيقع، إذ أن الكل أصبح قابلا للتغير بين عشية و ضحاها، كما كان الأمر خلال هذه السنة التي تودعنا، و يبقى نجاح "الاستثناء المغربي" رهين بنجاح أو فشل الإسلاميين في الأخذ بزمام السلطة.