في تطور قانوني غير مسبوق، أصدرت محكمة النقض في 15 أبريل 2025 قرارا تاريخيا بنقض حكم محكمة الاستئناف بالحسيمة، الذي كان قد رفض طلب أم تطالب بتعويض لصالح ابنها المولود من علاقة غير شرعية، نتيجة جريمة اغتصاب.
تعود وقائع القضية إلى 2023 حين تقدمت أم تعاني من إعاقة بطلب أمام المحكمة الابتدائية بالحسيمة، تطالب بتعويض لصالح ابنها الذي ولد نتيجة علاقة غير شرعية مع مغتصبها الذي "استغل الحالة العقلية التي تعاني منها"، والذي تمت إدانته بالسجن لمدة سنة حبسا نافذا فقط. إلا أن المحكمة الابتدائية قضت برفض طلب الأم، معتبرة أن البنوة الناتجة عن علاقة غير شرعية لا تترتب عليها أي حقوق قانونية، وبالتالي لا يمكن للطفل المطالبة بنفقة من والده.
وبالرغم من أن محكمة الاستئناف بالحسيمة قد أيدت هذا القرار، لم تيأس الأم، بل تقدمت بطعن أمام محكمة النقض، التي بدورها أصدرت قرارا مفاجئا بنقض الحكم الاستئنافي.
محكمة النقض: التكييف العادل للطلب وحقوق الطفل
في قرارها الصادر الأسبوع الماضي الذي اطلعت يابلادي على نسخة منه، أكدت محكمة النقض على أن المحكمة تملك صلاحية تكييف طلبات الخصوم بما يتماشى مع مبادئ العدالة. وأشارت إلى أن الحكم الصادر ضد الرجل المغتصب لا يعفيه من المسؤولية تجاه ابنه البيولوجي. كما شددت على أن الطفل لا يمكنه تحمل تبعات الجريمة التي ارتكبها والده، فذلك يمثل ضررا مباشرًا له يشمل مستقبله واحتياجاته الأساسية مثل المأكل، المشرب، والسكن، والدراسة.
وبناء على هذا التوجه، قررت محكمة النقض إحالة القضية إلى محكمة الاستئناف بفاس بدلا من الحسيمة، حيث سيتم إعادة النظر في القضية مع إجراء خبرة جينية للتأكد من نسب الطفل إلى الرجل. وفي حالة إثبات النسب، ستفرض على الأب دفع تعويض شهري للطفل، يساهم في تلبية احتياجاته الأساسية حتى بلوغه سن الرشد أو حتى سن 25 سنة إذا كان يتابع دراسته.
ردود فعل على القرار: إشادة وانتقاد
حظي هذا القرار بإشادة واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره الكثيرون سابقة قانونية هامة تُسهم في تحسين العدالة في قضايا البنوة غير الشرعية وتعزز حقوق الطفل في الحصول على تعويضات عن الأضرار التي لحقت به نتيجة تصرفات غير قانونية.
من جهة أخرى، عبرت خديجة الرباح، رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، في تصريح لـ "يابلادي" عن استيائها من العقوبة الصادرة بحق المتهم، والتي اقتصرت على سنة واحدة فقط من السجن النافذ. وأكدت أن هذه العقوبة تعكس غياب العدالة الجنائية الحقيقية للنساء.
وشددت على ضرورة النظر إلى الحكم من زاويتين: الأولى أنه يمثل سابقة قضائية غير مألوفة ويفتح الباب لاجتهاد قانوني مهم، ويجب أن يتم تضمينه في التشريع. لكن يبقى السؤال: هل سيظل اجتهاد فقط؟ أم حان الوقت للاعتراف بالخبرة الجينية كوسيلة أساسية في مثل هذه القضايا؟ إذ تعتبر الخبرة الجينية عنصرا جوهريا في مطالب تعديل مدونة الأسرة.
كما أعربت عن دعمها لاستخدام الخبرة الجينية بشكل دائم لتسهيل البت في هذه القضايا، مشيرة إلى أنها خطوة أساسية نحو إصلاح مدونة الأسرة. وقالت: "نحن مع اعتماد الخبرة الجينية بشكل دائم، ولا نريد أن تكون مجرد اجتهاد قضائي. بمعنى آخر، في هذه القضية أمر القاضي بإجراء الخبرة الجينية، لكن في حالات أخرى قد لا يتم اعتمادها".
وأكدت الناشطة الحقوقية ضرورة تعديل مدونة الأسرة والقانون الجنائي بما يتماشى مع المعايير الدولية التي تشدد على حقوق الضحايا وتضمن لهم سبل الإنصاف العادل.