تتذكر سميرة العياشي التي ولدت في مدينة لنس شمال فرنسا، قرب مناجم با دو كاليه، طفولتها التي قضتها إلى جانب جنسيات مختلفة، في بيئة تتقاطع فيها اللغات بشكل طبيعي، بفضل تنوع القوى العاملة من أصول مهاجرة، من بولندا وإيطاليا والمغرب، والجزائر... فيما تعلمت اللغة الفرنسية خصوصا في المدرسة، التي أدركت داخلها أهمية التعليم.
وقالت لموقع يابلادي "كان لدي حدس بأن هناك شيئًا ما لأبحث في قوة الكلمات". هكذا بدأت الكاتبة الناشئة في تأليف قصائدها في المدرسة الابتدائية، ثم وجدت ملاذًا في مكتبة المدينة. وبدأت تخلق لنفسها مساحة من العجائب والسفر بلا حدود، وقالت "لازلت أحتفظ بذكريات الطفولة مع أقراني، والألعاب، والمدرسة. لكن الكتابة والقراءة والمكتبة ترتبط عندي بذكريات من نوع خاص".
وبحسبها فإن الكاتب يقرأ كل ما يكون متاحا أمامه، وواصلت "كنت أحمل الكتب معي في كل مكان في حقيبتي، كنت أشعر وكأنهم أصدقائي السريين الذين أتشارك معهم محادثات وعوالم لم أجدها مع الآخرين".
وفي حياتها العائلية، كان إغلاق المناجم في عام 1987 بمثابة نقطة تحول. "كنت في الثامنة من عمري وكان والدي، عامل مناجم، قد قرر مع والدتي البقاء في فرنسا"، بحسب ما تحكي الكاتبة التي ستعمل لاحقًا، لمدة 12 عامً، على رواية مستوحاة من مثل هذه الأحداث التي تحدد مسار العديد من العائلات. وتشير إلى أن "الارتباط بالبلد الأصلي تقوى خصوصا خلال العطل الصيفية التي كان تقضيها في زاكورة والدار البيضاء والرباط رفقة عائلتها".
تتويج في سن السادسة عشرة
وكبرت وكبر معها شغفها اللامتناهي بالأدب. وكانت تقرأ لعزوز بقاق وهو كاتب وروائي وباحث في علم الاجتماعيات فرنسي ذو أصول جزائرية، تقلد عدة مناصب عليا في الدولة الفرنسية، كما قرأت لإميل زولا وألبير كام ، وفيكتور هوغو، لكنها لم تشعر أبدًا بالإلهام الكافي، وقالت "بما أنني كنت أقرأ كثيرًا، بدأت أحلم بشيء آخر.، وانتقلت إلى كتابة قصصي الخاصة ومحاولاتي الأولى".
وفي السادسة عشرة من عمرها، فازت سميرة العياشي بجائزة لويس جيرمان، وهي مسابقة وطنية للكتابة في فرنسا.
"طلب منا في المسابقة كتابة رسالة إلى أفضل أستاذ لدينا. لقد خصصت رسالتي لأستاذتي في الصف الثاني، السيدة إيزابيل بريندل، لكن رسالتي بدأت بعبارة "لقد كرهتك، سيدتي" ، قبل أن أشكرها على مطالبتها بنقل أفضل ما في الأدب إلى أطفال عمال المناجم. "
ولاحظ مدرسوها شغفها بالأدب، وشجعوها على إكمال مسارها، وخاصة أستاذ الفلسفة، وتوجهت إلى المدارس التحضيرية الأدبية، "وجدت نفسي في بيئة انتقائية للغاية. لم أكن أعلم أن هذا التعليم موجود ولكن تم قبولي. كانت السنتين صعبتين للغاية، لكنهما سمحتا لي باكتساب الصرامة وتطوير إحساسي النقدي"، وتابعت قائلة درست الهندسة الثقافية "في معهد الدراسات السياسية، وحصلت على درجة الماجستير في إدارة المعدات في القطاع الثقافي وأصبحت مسؤولة عن العمل الثقافي".
عودة إلى الكتابة
وفي السادسة والعشرين من عمرها عادت سميرة العياشي إلى حبها الأول، وهو الكتابة. وأصدرت روايتها الأولى " La vie rêvée de mademoiselle S" والتي كانت مناسبة لاستجواب شخصي لها.
وقالت "كان هناك دائمًا هذا السؤال الذي كان يؤرقني: بعد أن فعلت كل ما يُطلب مني القيام به وإنهاء دراستي، ما هي أحلامي؟ أردت أن أصبح روائية، لأجد هذه القدرة وبهذه الطريقة للنمو مع الاحتفاظ بجزء من الطفولة في حد ذاتها، كان هذا موضوع هذه الرواية الأولى".
ولاقى العمل نجاحا كبيرا "عُرضت المؤلفات عدة مرات في فرنسا والمغرب، من خلال المعهد الفرنسي، ثم في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء عام 2010.
وفي فرنسا، استقالت سميرة العياشي من وظيفتها، وكانت تطمح لأن "تقطع كل الطريق لوضع الكتابة في قلب حياتها". وقالت "اكتشفت حياة الروائية، والتقيت بالقراء، وأهمية العمل لإحياء روايتك ... كان النشاط مكثفًا للغاية، ما جعلني أرغب في أن تكون لي حياة مكرسة بالكامل للكتابة".
وتنظم سميرة العياشي ورش عمل للكتابة بانتظام، "لذلك نحافظ على الشعور أثناء كتابة كل رواية كما لو أنها الأولى". وبنفس الشغف المتجدد، نشرت رواية ثانية، "أربعون يومًا بعد موتي" (2013)، والتي تسمح لها "بطرح أسئلة الميراث، والأسرة، والتقاليد، ولكن مع الكثير من الفكاهة، وفي ماي المقبل، سيصدر الكتاب في طبعة جيب.
الروايات.. والمسرح أيضا
ووجدت كتاباتها المتميزة بلغتها الانسيابية، طريقها إلى الفنون المسرحية، حيث ألفت حوالي أربعين نصًا للقراءة بصوت عالٍ، مخصص لفنون تمثيل الأدوار أو الدراما أو السيرك، ولكن أيضًا للرقص المعاصر.
"يعجبني حقًا أن تظل كتاباتي مرتبطة بكل هذه الألوان، لأن الكتاب بالنسبة لي عنصر حي لا يجب أن يقع في النسيان وسط الرفوف."
"هي رواية أدافع من خلالها عن الحاجة إلى تذكر أن الإنسانية سوف تمر عبر النسوية. نحن بحاجة إلى الانثى في انسجام مع الذكر في مجتمعاتنا". وتتساءل في هذا العمل عن "كيف سيكون العالم، إذا اعتنى الرجال على مدى عدة أجيال، بمن هم أكثر هشاشة كما تفعل النساء اليوم، ورعاية الأطفال أو كبار السن أو المرضى".
وقالت "تتخلى الكثير من النساء عن أحلامهن، وهو أمر مؤسف لهن، كما هو أمر مكلف للحياة العامة أيضًا، لأن العالم محروم من موهبة العديد منهن " نصف البشرية "، واللاتي يمكن أن يكن طبيبات، وصانعات أفلام ... إنه انعكاس يتجاوز التاريخ الفردي الحميم، التفكير في حالة المرأة ذات البعد السياسي"، ووجهت "دعوة للنساء لاستعادة قوتهن الإبداعية والرجال للموافقة على زيادة استثمار أنفسهم في إدارة المجال الخاص، في ديناميكية تغيير النموذج الذي يمكن أن يؤدي إلى ثورة ثقافية".
إلى جانب هذه الكتابات المنشورة، قامت بعمل توثيق دقيق لإعادة بناء قصة الحدث الذي اعتبرته نقطة تحول في حياتها الأسرية، مثل العديد من أطفال العمال في حوض التعدين في شمال فرنسا، في رواية "بطن الرجال" الذي استمر العمل عليه عشر سنوات.
بعيدًا عن كونها مؤرخة، نجحت سميرة العياشي في القيام بعمل لم ينجزه سوى عدد قليل من المؤرخين، يتمثل في التعريف بهذا الجزء من حياة الطبقة العاملة الذي أزعج فرنسا في نهاية الثمانينيات، ووضعها أمام عامة الناس.