القائمة

أرشيف

تاريخ: عندما كانت طنجة المدينة المفضلة للجواسيس الدوليين

خلال القرنين 19 و20 كانت مدينة طنجة تعتبر أرضا آمنة لمجموعة من الجواسيس الدوليين، لتصبح بعدها مصدرا إلهام لمخرجين وكتاب ومنتجين عالميين في كتابة أعمالهم المستوحاة من عمليات التجسس التي شهدتها المدينة.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

كانت مدينة طنجة خلال عقود من القرنين التاسع عشر والعشرين، تعد ملاذا آمنا لمجموعة من العملاء السريين والجواسيس، وذلك لكونها كانت واقعة تحت حكم العديد من الدول.

كان الجواسيس والعملاء السريون قديما يقصدون مختلف مقاهي المدينة ويجوبون شوارعها، حيث كانت أنشطتهم تشكل مصدر إلهام لمجموعة من الكتاب والمؤلفين ومنتجي الأفلام. وتعود أول عمليات التجسس التي تم الإبلاغ عنها في مدينة البوغاز إلى القرن السابع عشر، وتحديدا عند استيلاء إنجلترا عليها.

وجاء في كتاب آلن مارشل المعنون بـ "الذكاء والتجسس في عهد تشارلز الثاني 1660/1685"، أن "تاريخ الاحتلال الإنجليزي لطنجة كان مضطربا، ولكن لفترة وجيزة في الفترة ما بين 1663-1664 أعطى لمحة مثيرة للاهتمام حول جوانب معينة من التجسس الدبلوماسي".

وأوضح مارشل في كتابه أن إسبانيا وإنجلترا دخلتا في صراع حول مدينة طنجة لكونها تقع في موقع استراتيجي مميز، حيث حاول الطرفان فرض سيادتهما عليها بشتى الطرق الممكنة، مشيرا إلى أنه آنذاك كان "السبب الرئيسي وراء انتشار التجسس في المدينة يعود إلى العلاقات المضطربة بين إنجلترا وإسبانيا".

ويشير في كتابه إلى أنه في أحد الأيام روج الإسبان لشائعات حول وجود طاعون في السفن القادمة من طنجة والتي كانت آنذاك تحت الاحتلال الإنجليزي، مما أجبر سفن تشارلز الثاني على القيام برحلة حافلة بالمخاطر من المغرب إلى السواحل الإنجليزية.

وكانت معظم عمليات التجسس التي كانت تشهدها مدينة طنجة خلال القرن العشرين ترتبط بشكل أساسي بالحرب العالمية الثانية، آنذاك كانت الولايات المتحدة  ترى في المغرب مكانا مفضلا لتنفيذ "عملية الشعلة"، ويقصد بها الغزو الأمريكي البريطاني المشترك لمنطقة شمال أفريقيا الفرنسية أثناء الحرب العالمية الثانية.

 وذكر الكاتب هال فوغان في كتابه "الجواسيس الذين مهدوا الطريق لغزو شمال إفريقيا " أن "مراسلات كانت تصل الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق مدينة طنجة، لكن ليس بين القنصليات، وكان الأمر يستلزم تشفير أو فك رموز جميع الرسائل"، حيث لعبت مدينة طنجة التي استضافت المفوضية الأمريكية، دورا أساسيا في ضمان سرية العملية وخداع نظام فيشي الفرنسي.

طنجة..ملهمة الأدباء والكتاب

وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت مدينة طنجة الوجهة المثالية للكتاب الذين كانوا يبحثون عن الإلهام، ورجح فوغان في الكتاب نفسه أن تكون هذه "المدينة قد ألهمت جون بوكان (كاتب ومؤرخ سكوتلندي) في كتابة أحد الفصول من روايته التجسسية، مستلهما الأفكار من أسوار أحيائها العربية وشوارعها الضيقة، حيث كانت النساء المحجبات والمهربون والجواسيس يعملون بالتجارة".

وأوضح فوغان أن السبب وراء توجه الجواسيس إلى مدينة طنجة، هو أنه "في المدينة يمكن لأي شخص الحصول على عملة أجنبية دون الاضطرار إلى تحديد هويته"، مشيرا إلى أوجه التشابه بينها وبين مدينة ليشبونة الأوروبية.

من جانبه، تحدث الكاتب مايكل ولونين في كتابه " كتابة طنجة في مرحلة ما بعد الاستعمار: الفضاء والقوة في الأدب المغترب وشمال إفريقيا" عن أعمال مجموعة من الكتاب الأمريكيين، بينهم بول بولز وأعضاء مجموعة جيل بيت الذين قرروا الاستقرار في المدينة نظرا لجمال طبيعتها التي كانت تشكل مصدر إلهام لهم، مشيرا إلى أن كتاباتهم تصور ما كان يحدث "وراء الكواليس" في قضية تورط الولايات المتحدة في التجسس ببلدان المغرب الكبير".

وأشار الكاتب نفسه إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية بنت "بعد فترة وجيزة من نهاية الحرب العالمية الثانية أحد مراكز الإذاعة الأمريكية الرئيسية جنوب مدينة طنجة" ومن جهته شرع "الاتحاد السوفييتي في التخطيط لبناء بنك في طنجة كوسيلة لتحويل الأموال إلى الوطنيين المغاربة".

وعزز ولونين كتابه برسالة بعثها بول بولز (مؤلف ومترجم أمريكي قضى معظم حياته في طنجة) إلى الكاتب الأمريكي ويليام رايت يلمح فيها إلى حقيقة أن "الاضطرابات في المدنية ضد الأجانب قبل وبعد استقلال المغرب مباشرة، كانت بتحريض من عملاء روس".

وإلى جانب الكتاب والأدباء، اعتبر صناع الأفلام السنيمائية أيضا مدينة طنجة مكانا مثاليا لتصوير أفلام تتحدث عن التجسس، من بين هذه الأفلام، الفيلم الإيطالي الاسباني "التجسس في طنجة" الذي أصدر سنة 1965، والذي صور فيه المخرج مدينة طنجة كأنها "مكة العملاء السريين"، بالإضافة إلى فيلم "جاسوسي المفضل" وهو فيلم تجسسي آخر يسلط الضوء على الجانب المظلم للمدينة بطريقة هزلية، وتدور أحداثه حول "ممثل اكتشف وجود تشابه كبير بينه وبين عميل أمريكي مكلف بتوظيف الجواسيس، فقرر الذهاب إلى طنجة من أجل تقمص شخصيته".

وفي سنة 2007، قام الممثل والمخرج الأمريكي مات ديمون في فيلمه "دي بورن ألتيماتوم" بتعزيز هذه الصورة النمطية عن مدينة طنجة، إذ يتحدث هذا العمل السينمائي عن عميل سري بالوكالة الاستخبارية المركزية فقد ذاكرته، وزار مدينة طنجة في محاولة لاسترجاعها.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال