قرر المغرب وانجلترا تعزيز علاقاتهما الدبلوماسية من خلال سلسلة من الاتفاقات التجارية منذ القرن السابع عشر. وساهمت العداوة المشتركة للملكة إليزابيث الأولى والسلطان أحمد المنصور الذهبي لإسبانيا في تحقيق توافق بين المغرب وإنجلترا. حيث أدى تبادل البعثات الديبلوماسية إلى تأسيس تحالف أنغلو-مغربي، وهو التحالف الذي كان سبب في إنتاج عمل أدبيا لا يزال يحتفظ ببريقه إلى الأن.
فبعد سنوات من هزيمة البرتغال في معركة الملوك الثلاثة سنة 1578، أبدى السلطان السعدي وملكة إنجلترا استعدادهما للتعاون. وكتب المؤرخ المغربي خالد بن الصغير في كتابه "بريطانيا والمغرب خلال زمن السفير جون دروموند هاي 1845-1886 " أن "العلاقات السياسية قد تعززت نتيجة للمهام الدبلوماسية المتبادلة وتوجت بتحالف انجلو-مغربي ضد إسبانيا في عهد الملك فيليب الثاني".
دبلوماسي مغربي في لندن
وأرسل أحمد المنصور الذهبي مستشاره عبد الواحد بن مسعود بن محمد عنون الذي أصبح فيما بعد سفيرًا لبلاده في بلاط الملكة إليزابيث الأولى سنة 1600 لإبرام الاتفاقية المذكورة أعلاه. وقام الدبلوماسي المغربي، بأمر من السلطان السعدي، بزيارة لندن بهدف تعزيز التحالف الجديد ولإقناع الملكة إيليزابيث الأولى بتنفيذ غزو مشترك لإسبانيا.
ووصل السفير برفقة ستة عشر مسؤولا ديبلوماسيا إلى دوفر، وهي بلدة ساحلية جنوب شرق إنجلترا. والتقى بن مسعود خلال إقامته هناك والتي بلغت مدتها ستة أشهر بالملكة مرتين فقط، وبالتحديد في التاسع عشر من غشت وفي العاشر من شتنبر 1600. وكانت زيارة لندن فرصة للمسؤول المغربي لاكتشاف المدينة، غير أنه لفت الأنظار بسبب لباسه المميز والمخالف لما يرتديه البريطانيون.
ملهم شكسبير
ونشر موقع المكتبة البريطانية مقالا بعنوان "لوحة السفير المغربي للملكة إليزابيث الأولى" أن "بقاء الأفارقة في إنكلترا لمدة ستة أشهر منحهم فرصة حضور احتفالات الذكرى السنوية لتتويج الملكة في نونبر 1600".
ويبدو أن مهمة السفير في المملكة المتحدة قد ألهمت الكاتب المسرحي، وليم شكسبير. وأشار الباحثون إلى أن الديبلوماسي السعدي أثر في كتابات الكاتب البريطاني، حيث قام هذا الأخير بعد هذه الزيارة بمدة قصير بكتابة المسرحية المأساوية "عطيل" التي يعتقد أنها صدرت سنة 1603.
وجاء في مقال عن ابن مسعود نشره موقع "آرت يو كي" أنه "تم تدشين السفارة المغربية في لندن قبل سنة من إصدار مسرحية عطيل" التي تتضمن "إشارات إلى نظرة البريطانيين للسفير المغربي وقتها".
ورغم أن هذه النسخة من القصة مشكوك في صحتها، إلا أن المكتبة البريطانية تشير إلى أن الوفد المغربي بقيادة بن مسعود "بقي في إنجلترا خلال عيد ميلاد المسيح، مما دفع النقاد إلى الاعتقاد بأنهم شاهدوا مسرحية لشكسبير، ضمن موسم الاحتفالات" وأضاف المصدر ذاته أنه " إذا كان هذا الأمر صحيحا، فإن شكسبير قد حضي بفرصة رؤية وفد شمال إفريقيا المثير للإعجاب".
وأكدت تأويلات أخرى للرواية أن بن مسعود هو الإفريقي "عطيل" بطل المسرحية الإيليزابيثية. علما أن هذه الرواية مدعومة بمقال نشر في صحيفة تيليغراف سنة 2012 جاء فيه أنه "يصعب تخيل أن القائد العسكري المعمم بحضوره الكريم لم يكن في مخيلة شكسبير عندما كتب "عطيل" بعد سنوات قليلة فقط".
ويبدو أن هذا الديبلوماسي المغربي أبهر البريطانيين وقتها، فقد تم رسمه على لوحة زيتية لتذكره. ويظهر في اللوحة، التي رسمها رسام مجهول، عبد الواحد بن مسعود بن محمد عنون واقفا وهو يضع يده اليمنى على صدره ويمسك سيفه بيده اليسرى.
وتوجد اللوحة الآن بمعهد شكسبير التابع لجامعة برمنغهام البريطانية.