القائمة

أرشيف

تاريخ: عندما اعتبر الاتحاد السوفياتي دعوة علال الفاسي لتنظيم مؤتمر طنجة استهدافا لحلفائه

كان الاتحاد السوفياتي يرى في مؤتمر طنجة الذي حضره ممثلون عن المغرب وتونس والجزائر، والذي دعا إلى عقده زعيم حزب الاستقلال علال الفاسي في أبريل سنة 1958، محاولة لعزل الجمهورية العربية المتحدة التي خرجت إلى الوجود في فبراير من سنة 1958، وهو ما جعل الزعيم الاستقلالي يعبر عن استغرابه من ذلك.

نشر
علال الفاسي الزعيم التاريخي لحزب الاستقلال
مدة القراءة: 5'

لم يكن المغرب بعيدا بعد استقلاله عما يجري في المشرق العربي، فقد تفاعلت معظم القوى السياسية المغربية، مع قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، والتي تم الإعلان عنها من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر ونظيره السوري شكري القوتلي، في 22 فبراير من سنة 1958.

وفي الوقت الذي لم يصدر فيه حزب الاستقلال موقفا محددا من قيام الوحدة المصرية السورية رغم حديثه عنها في الكثير من المناسبات، فإن الحزب الشيوعي المغربي كان متحمسا لتلك الوحدة، بحسب ما جاء في كتاب "الحركة الوطنية المغربية والمسألة القومية"، لصاحبه عبد الإله بلقزيز.

 ووصف الحزب اليساري المغربي الذي تأسس في شهر نونبر من سنة 1943، هذه الوحدة بـ"الحدث التاريخي الكبير" واعتبر أن وحدة القطرين في "جمهورية عربية متحدة ستكون له تأثيرات عميقة (...) وستكون هذه الجمهورية الجديدة قطب جذب بالنسبة لكافة بلدان الشرق الأوسط".

وأكدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المغربي المنعقدة في 23 فبراير 1958، ذلك الموقف وحيت الجمهورية العربية المتحدة التي اعتبرتها "خطوة حاسمة نحو وحدة جميع البلدان العربية" وشددت بالإضافة إلى ذلك على أن "الشعوب العربية ومنها شعبنا تعي يوما بعد يوم أن تحقيق وحدتها الكبرى التي تضم 80 مليون نسمة، وتمتد على مناطق واسعة وغنية، ستمكن نهائيا من القضاء على السيطرة الإمبريالية، العائق في وجه المسيرة العربية نحو التقدم الاجتماعي والرفاه والحرية والأخوة والسلام".

وكان موقف الحزب الشيوعي المغربي متأثرا بموقف الاتحاد السوفياتي، الذي كان داعما وبقوة لهذه الوحدة، والتي كان يطمح من ورائها إلى خلق قوة إقليمية، قادرة على مواجهة حلف بغداد الذي تأسس سنة 1955 بين المملكة المتحدة من العراق وتركيا وإيران وباكستان، بهدف مواجهة المد الشيوعي في الشرق الأوسط.

الاتحاد السوفياتي وعلال الفاسي

وكان المغرب بعد استقلاله محسوبا على المعسكر الغربي، وهو ما جعل الاتحاد السوفياتي يرى في دعوة علال الفاسي لعقد مؤتمر بطنجة نهاية أبريل سنة 1958، أي بعد شهرين فقط من إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، استهداف للدولة الوليدة في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا وأن مؤتمر طنجة كان سيناقش قيام اتحاد فدرالي بين البلدان المشاركة في المؤتمر، وهي تونس والمغرب والجزائر التي كانت لا تزال تحت الاستعمار الفرنسي.

وقبيل انعقاد المؤتمر هاجمت صحيفة أزفستيا التي تأسست بعد الثورة البلشفية التي أسفرت عن قيام الاتحاد السوفياتي سنة 1917، والتي كانت تنقل الرواية الرسمية لصناع القرار في موسكو، مؤتمر طنجة، وهو ما جعل علال الفاسي يرد عليها قبل انعقاد المؤتمر بأسبوع واحد قائلا بحسب ما جاء في كتاب بلقزيز:

"انها (أزفستيا) ضد مؤتمر الاتحاد المزمع عقده بطنجة، زاعمة أن المقصود منه عزل الجمهورية العربية المتحدة عن بقية العالم العربي. وقد اندهشنا من قيام جريدة روسية على كتابة هذا التعليق، بينما سبق لراديو موسكو أن علق بخلاف ذلك، أي في صالح الاتحاد، وبعد أن أعلنت الأحزاب الشيوعية في تونس والجزائر والمغرب وإسبانيا تأييدها لتحقيق وحدة المغرب العربي، على اعتبار أنه أمل لشعوب هذه البلاد لابد أن يتحقق".

وأضاف الزعيم التاريخي لحزب الاستقلال قائلا "ولعل ما نشرته الصحيفة إنما هو صدى لما يريده بعض المغرضين الذين يريدون أن يفرقوا بين العربية المتحدة وبين المغرب العربي. والعربية المتحدة لا يمكنها إلا أن تسند وتتقوى باتحاد المغرب العربي الذي سيصبح دولة ذا شأن (...) وهو ليس إلا بداية لانطلاق الجناح الغربي للعروبة ويتمكن معه الصقر العربي من النهوض بجناحيه. إننا لا نريد عزل العربية المتحدة ولكننا نريد وصلها، فلتطمئن أزفستيا وأخواتها".

وبعد مرور تسع سنوات على انعقاد مؤتمر طنجة، عاد علال الفاسي إلى الحديث عن فشله، حيث أشار في تقريره إلى المؤتمر الثامن لحزب الاستقلال سنة 1967، إلى دور الحملات على مؤتمر طنجة في عرقلة مسيرة توحيد المغرب العربي مؤكدا أنه من

"المؤسف أن بعض الدول العربية لم تفهم غايتنا، وحسبت أن قيام المغرب الكبير سيعكر عليها زعامتها في توحيد المغرب، فهاجمتنا في صحفها وإذاعاتها، وبذلك تفرقت كلمة المسؤولين في مغربنا حتى تعددت نزعاتهم...".

ورغم أن الفاسي لم يسم هذه الدول بأسمائها، إلا أنه من المؤكد أنه كان يقصد مصر بالدرجة الأولى التي كان زعيمها جمال عبد الناصر المعروف بقربه من الاتحاد السوفياتي، يعتبر نفسه قائدا للعالم العربي.

ولم تدم الوحدة المصرية الروسية طويلا، إذ أعلن عن انتهائها يوم 28 شتنبر 1961، بعد حدوث انقلاب عسكري في سوريا، والإعلان عن قيام الجمهورية العربية السورية. وكان لحدث إعلان انفصال سوريا عن مصر صدى كبير في المشرق العربي، إلا أنه قوبل بفتور كبير من قبل حزب الاستقلال، وقد يرجع ذلك بحسب بلقزيز إلى العلاقات الوطيدة بين جمال عبد الناصر والاتحاد السوفياتي، وكذا التأييد الكبير الذي حظي به حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنفصل عن حزب الاستقلال حديثا، من قبل تيارات ناصرية وبعثية.

وانتقد علال الفاسي مسألة هيمنة دولة عربية على دولة أخرى في إطار الوحدة، واعتبر ذلك سببا أساسيا في فشل مشاريع الوحدة، وقال "إن الذي يرفضه العرب هو أن تتولى دولة من دولهم القيادة العليا، وتحاول فرض خططها وسياساتها، ولو كانت مبنية على مصالح خاصة بها وحدها دون شؤون الدول الأخرى".

كما وجه الفاسي سهام نقده  بشكل غير مباشر إلى اختيار بعض الدول العربية التقرب من الاتحاد السوفياتي، مطالبا بعدم الاعتماد على الكتلة الشرقية أو الغربية، وانتقد تهميش الإسلام في الاتجاهات الوحدوية العربية، حيث جاء في تقريره الموجه للمؤتمر السادس لحزب الاستقلال سنة 1962، أي بعد مدة وجيزة من انفصال سوريا ومصر، "أما أن نفكر بالجنس أو بالأرض، ونقلد المستعمر في كل ما به يفكر متخلين عن أقدس ما عندنا وهو الدين، ونسمي ذلك قومية عربية، فهو ما لا سبيل إلى قبوله في وطنيتنا، وهو ما يتناقض تماما مع الاستقلالية التي تسيرنا".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال