أصدر مجلس الدولة في لاهاي، بتاريخ 20 ماي 2025، حكماً نُشر في 26 من الشهر نفسه، يُعد سابقة قانونية تتيح للأمهات العازبات المغربيات التقدّم بطلب لجوء في هولندا، شريطة إثبات وجود خطر فعلي من الملاحقات القضائية. وجاء هذا القرار لصالح مواطنة مغربية طعنت في قرار ترحيلها وأطفالها الثلاثة، الصادر سنة 2023، بعد رفض إداري سابق.
في البداية، أيّد الحكم الابتدائي وزارة اللجوء والهجرة، على أساس أن المغرب بلد آمن. إلا أن مجلس الدولة أقرّ بأن هذه القاعدة لا تسري على الأفراد الذين يواجهون دعاوى قضائية، إذا تمكنوا من "تقديم أدلة ملموسة تُثبت أن الضمانات القانونية ضد انتهاكات الحقوق والحريات في المغرب غير مضمونة في حالتهم الخاصة".
من جانبها، رأت الوزارة في الاستئناف أن "الملاحقات المحتملة" يجب أن تكون مدعومة بـ"مؤشرات ملموسة وخاصة". غير أن المحكمة العليا قبلت حجة المدعية، معتبرة أنها "أثبتت أنها ستكون عرضة لملاحقات جنائية في حال عودتها، وأن الضمانات القانونية غير كافية في حالتها الفردية".
خطر الملاحقة وتبعات متعددة الأوجه
استندت المدعية في استئنافها إلى المادتين 490 و491 من القانون الجنائي المغربي، اللتين تجرّمان العلاقات خارج إطار الزواج، إضافة إلى بعض أحكام مدونة الأسرة المتعلقة بإلغاء الوصاية والحضانة. كما استند الطلب إلى تقرير صدر عام 2022 عن جمعية MRA/Mobilizing for Rights بعنوان "الحماية، وليس السجن: كيف يعزز تجريم العلاقات الجنسية خارج الزواج العنف"، والذي أشار إلى أن عدد الملاحقات في قضايا مماثلة تجاوز 10,000 حالة سنويًا في المغرب.
في تقريرها، قارنت الجمعية بين عدد الملاحقات على خلفية العلاقات الجنسية الرضائية خارج الزواج وتلك المتعلقة بالعنف ضد النساء، مطالبة النيابة العامة بإعادة ترتيب الأولويات، والتركيز على الحماية والوقاية. وتشير البيانات إلى أنه في عام 2020، تمّت ملاحقة 46 شخصًا بتهمة قتل النساء، و756 بتهمة الاغتصاب، و2,034 بسبب عنف بدني خلّف عجزًا يفوق 20 يومًا، و505 بتهمة التحرش الجنسي في الأماكن العامة.
كذلك، تم فتح 20 قضية تحرش جنسي في أماكن العمل، وحالتان فقط لخرق أمر عدم الاتصال بالضحية، من مجموع 3,363 حالة. في المقابل، بلغ عدد الملاحقات المرتبطة بالعلاقات الجنسية خارج الزواج 13,018 في السنة نفسها، ما يعكس تفاوتًا كبيرًا في التطبيق القضائي.
وثائق داعمة ومعطيات حساسة
إلى جانب التقرير، قدّمت المدعية مستندات أخرى، منها مقال للمركز النمساوي للبحث والتوثيق حول بلدان الأصل واللجوء بعنوان "الرد على المغرب: الإدانات بسبب العلاقات الجنسية خارج الزواج"، وكذلك "التقرير الرسمي الموجز حول مبدأ عدم المحاكمة مرتين والإدانات الجنائية الأجنبية والتشريعات المتعلقة بالحياة الخاصة في المغرب" الصادر سنة 2023.
في دحنبر 2023، أُرفقت بالملف رسالة من جمعية MRA، أوضحت فيها الأم أنها تحتاج إلى التوجه إلى السلطات المغربية لاستخراج وثائق هوية لابنها الأصغر، ما يتطلب تقديم شهادة ميلاد هولندية تخلو من اسم الأب، وهو ما قد يدفع السلطات المغربية إلى الاستنتاج بأن الطفل وُلد خارج الزواج، ما يعرّضها للملاحقة.
وأكدت MRA في بريد إلكتروني أن "مجرد طلب وثائق هوية لطفل وُلد خارج إطار الزواج يُعد مؤشراً على وجود علاقة جنسية غير مشروعة، ما يؤدي تلقائيًا إلى فتح تحقيق جنائي". وأشارت إلى أن بعض البلديات المغربية تتيح تسجيل الطفل باسم الأم أو اختيار اسم من قائمة محددة، لكن ذلك يعتمد على اجتهاد الموظفين المحليين ودعم الجمعيات، في غياب نصوص قانونية واضحة.
ورغم إمكانية تسجيل الطفل، إلا أن ذلك لا يضمن له الاعتراف بالنسب الأبوي، ما يضعه في خانة "مواطن من الدرجة الثانية". وفي حال الملاحقة القانونية، قد تُحرَم الأم من الوصاية على أطفالها، فضلًا عن الأثر النفسي والاجتماعي والاقتصادي، خصوصًا بعد قضائها لعقوبة سجن. هذه التراكمات تجعل من العودة إلى المغرب تهديدًا مباشرًا لمصلحة الأطفال القاصرين.
وفي تصريح لموقع يابلادي، عبّرت جمعية MRA عن ارتياحها لكون الحكم صدر عن أعلى هيئة قضائية، معتبرة أن "الأولوية يجب أن تكون دائمًا لمصلحة الطفل الفضلى". وأكدت أن الأطفال كانوا مهددين بفقدان والدتهم في حال صدور إدانة، ما كان سيؤثر على تحصيلهم الدراسي وحياتهم الاجتماعية. كما ذكّرت بالتزام الدول الأعضاء في اتفاقية حقوق الطفل (CIDE) بحماية هذه الفئة الهشّة.
بعيدًا عن البُعد الفردي للقضية، عبّرت الجمعية عن أملها في أن يُسهم هذا الحكم في تحفيز النقاش حول وضع الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، والأمهات العازبات في المغرب، لا سيما في ظل نقاش وشيك حول إصلاح مدونة الأسرة، وارتباط هذه الإشكاليات بمقتضيات القانون الجنائي المغربي.