اقترن اسم ونستون تشرشل (1965-1874)، رئيس وزراء المملكة المتحدة بالسياسة، وكان يُعد أحد أبرز القادة السياسيين إبان الحرب العالمية الثانية، لكن القليلين يعلمون بأنه كان رساما موهوبا، فخلال السنوات الأخيرة من حياته، أكمل تشرشل رسم 500 لوحة، توجد أغلبها في منزله بالمملكة المتحدة، حسب ما أورده موقع "إكسترافغانزي".
باريس الصحراء
كانت مدينة مراكش من الأماكن المفضلة التي كان يتردد عليها تشرشل للرسم، وكان يصفها بكونها "واحدةً من أجمل الأماكن في العالم"، لذلك جعل منها موضوعا للعديد من لوحاته، فمعظم أعماله الفنية، رسمت من شرفة غرفته بفندق "المامونية" الذي يعد من أشهر الفنادق بالمغرب، كان ينزل به كلما حل بمراكش. كما كان يطلق على مدينة مراكش اسم باريس الصحراء.
وهذا ما أكده جون كيري وزير خارجية المملكة المتحدة السابق، خلال كلمة ألقاها بمناسبة مؤتمر قمة المناخ "كوب22" سنة 2016 بمراكش، حيث تحدث فيها عن مكانة المدينة عند تشرشل في خمسينيات القرن الماضي و العلاقة التي كانت تربطه بها و قال "كان لديه ارتباط شديد بمراكش، وكان مولوعا برسم المناظر الطبيعية و جمال و ثقافة المدينة الحمراء".
و أضاف كيري انه بعد انتهاء اجتماع أنفا الذي انعقد بالدار البيضاء سنة 1943، "اندهش تشرشل بأن روزفلت لم يسبق له أن زار مدينة مراكش، فاقترح عليه أن يرافقه إلى هناك، حيث وصف المنظر أنداك في وقت غروب الشمس بأجمل منظر في العالم".
ورغم رحيل تشرشل إلا أن مراكش لا زالت مخلصة لذكراه، حيث تم تخصيص جناح باسمه، بفندق المامونية، يتم فيه عرض أغراضه الشخصية من بينها قبعته ومظلته تكريما له، إضافة إلى لوحة غير مكتملة لحدائق المامونية، التي تشهد على عشقه الكبير وزياراته المنتظمة لهذه المدينة.
لوحة الكتبية في المزاد
و من اللوحات التي رسمها تشرشل بمراكش، لوحة "صومعة مسجد الكتبية " وتعتبر من أجمل الإبداعات الفنية وهي اللوحة الوحيدة التي رسمها تشرشل، إبان الحرب العالمية الثانية، وأهداها لصديقه الرئيس الأمريكي روزفلت، غداة مؤتمر أنفا. وذكر موقع "إكسترا فكانزي" أنه بعد وفاة هذا الاخير، انتقلت اللوحة لابنه إليوت الذي باعها سنة 1950 لجورج وودورد، المعروف باقتنائه للوحات الفنية، والذي باعها بدوره للكاتب ومنتج الأفلام نورمان هيكمان. وبعد وفاة هيكمان، أصبحت اللوحة في ملكية زوجته الثانية التي منحتها لابنتها، لتباع، بعد سنوات، من طرف رواق راو للتحف القديمة بحوالي 03 ملايين دولا ر أمريكي.
تشرشل و عائلة الكلاوي
يعد تشرشل من أصدقاء الباشا التهامي الكلاوي، كما كان له الفضل في إقناع لكلاوي بترك ابنه البكر حسن يمارس هواية الرسم، بحكم موهبته في هذا المجال. وقال حسن بهذا الخصوص لموقع "لوفيغارو" "لولا ذلك اللقاء المصيري مع ونستون تشرشل سنة 1943، لحال موقف والدي من تعلقي بالرسم دون ممارسة حياة الفنان العجيبة والمرضية هذه"، وأضاف "لم يكن بالإمكان أن أكون رساما، لولا الشهادة التي قدمها تشرشل في حقي، حينما قال لوالدي إنني أمتلك موهبة جيدة، وعلي أن أتابع دراستي في الفن التشكيلي، وذلك ما كان، فقد أصبحت تشكيليا بعد دراستي الفن بباريس. وأنا ممتن لتشرشل بهذا الجميل".
وفي إطار آخر، يؤكد حسن الكلاوي (2018 – 1924) في نفس المصدر، أن الحادث الذي أثر في تفكير والده بشكل كبير هو زيارة تشرشل، حيث قام الزعيم البريطاني بزيارة لمكتبه، ونظر إلى لوحة معلقة هناك، فسأله عن الفنان الذي رسمها، فأجابه الباشا الكلاوي بأنها تعود لابنه حسن، فتعجب تشرشل من ذلك قائلا بأنه يظن أن هذا الشاب يرسم أحسن منه.
وفي الفترة ما بين 2012 و2014 نظم معرض بين لندن ومراكش تحت عنوان "لقاءات في مراكش"، جمع بين ثمان لوحات لتشرشل و17 لوحة لحسن الكلاوي. وعن هذا المعرض، قال حسن لكلاوي : "إنه لشرف عظيم، بالنسبة لي، مشاركة المعرض مع إنسان، لا يحظى بمكانة عظيمة في التاريخ فحسب، بل ولعب دورا كبيرا في حياتي". إن تنبؤات تشرشل لم تخطئ إزاء موهبة الكلاوي، الذي أصبح اليوم أحد أشهر فناني المغرب، ومن الوجوه البارزة للفن التشكيلي على الصعيد العالمي.
تشرشل و الإسلام
إلى جانب ولع تشرشل بالفن التشكيلي، كان أيضا مولوعا بالاطلاع على تعاليم الدين الإسلامي، إلى درجة أن عائلته كتبت له رسالة مؤرخة في غشت 1907، تحاول إقناعه فيها بالتخلي عن رغبته في اعتناق الديانة الإسلامية. و اكتشفها باحث في جامعة كامبردج يدعى "وارن دوكتر"، ونشرها موقع "تلغراف".
وجاء في الرسالة التي كتبتها جويندولين بيرتي والتي أصبحت فيما بعد ذلك زوجة شقيقه جاك، "من فضلك لا تصبح مسلما، لقد لاحظت في تصرفاتك ميولك وانبهارك بالاسلام والثقافة الشرقية ورغبة في أن تصبح مثل الباشاوات". وأضافت، "مجرد اقترابك من هذه الديانة يجعل أمر الاعتناق أمر سهل جداً، أنت تعلم ما أعنيه، حارب ضد هذه المعتقدات".
وأوضح موقع تلغراف "أن مخاوف السيدة جويندولين قد لا يكون لها أي أساس، إذ أن تشرشل كان يشيد فحسب بالبراعة العسكرية وتوسيع الإمبراطورية العثمانية. كما كان يدعو للنظر إلى الديانة الإسلامية والمسيحية على قدم المساواة. حتى إنه كشف في أحد خطاباته للناشطة السياسية والكاتبة الليدي لايتون، أنه يتمنى أن لو كان أحد باشاوات الدولة العثمانية"، وبدوره قال دوكتير "لم يكن هناك داع لقلق عائلة تشرشل من تحوله إلى الإسلام"، موضحا أن تشرشل اكتسب "الكثير من الخبرة خلال تواجده في" المناطق الإسلامية "بعد أن خدم في السودان وعلى الحدود الشمالية الغربية من الهند.