من هم المداويخ / المجهولين المقاطعين ؟!
نقول للسادة الوزراء ، ابحثوا عنهم بين كل اللذين شاركوا في كل الاستحقاقات الانتخابية وخابت آمالهم عندما اكتشفوا أن تصويتهم لا قيمة له ولا تأثير أي ابحثوا عنهم بين المصدومين من تعثر مسلسل الانتقال إلى الديموقراطية .
ابحثوا عنهم بين أزيد من خمسين بالمائة من المغاربة اللذين قاطعوا الانتخابات التشريعية لقناعتهم بعدم جدوى المشاركة في انتخابات اعتبروها شكلية في ظل دستور اعتبروه دون المستوى المطلوب .
ابحثوا عنهم بين اللذين فقدوا أملهم في شغل يسدون به رمقهم . ابحثوا عنهم بين كل الفقراء والفئات التي تعاني الهشاشة اللذين يشتكون من غلاء المعيشة وصعوبتها عليهم .
ابحثوا عنهم عند كل طالب لا يجد مقعد في كلية أو مؤسسة جامعية تستجمع كل المواصفات والمتطلبات الضرورية للتحصيل والتدريس. ابحثوا عنهم بين كل المرضى اللذين لا يجدون سريرا في مستشفى عمومي أو طبيب أو دواء بثمن يناسب دخلهم التافه .
أيها السادة من النخب الحاكمة والمسؤولة في مختلف القطاعات العامة والخاصة ، هل تعرفون ما هي مشكلتكم الكبرى ؟
مشكلتكم الكبرى أنكم تحتقرون هذا الشعب وتحتقرون وعيه الجماعي وتعتبرونه قاصرا عن الفهم وعن الابداع والمبادرة !. وبالتالي لا تتصورون أن يبدع هذا الشعب طرقا جديدة للتعبير عن مطالبه في العيش الكريم والمواطنة الحقيقية .
أيها السادة من النخب الحاكمة والمسؤولة في مختلف القطاعات العامة والخاصة ، هل تعرفون ما هي مشكلتكم الأولى ؟
مشكلتكم الأولى أنكم لم تستوعبوا الزمن الذي يعيش فيه شعبنا ، زمن الديجيتال وغرف التواصل الاجتماعي : زمن الأنتيرنيت والفيسبوك والتويتر ،زمن حضارة الصوت والصورة . زمن نهاية احتكار الدول والحكومات للمعلومات ، زمن الخبر العاجل أي الخبر في الزمن الحقيقي لوقوعه.
ولم تستوعبوا أن من سميتموهم مرة بالمداويخ ومرة بالخونة ومرة بالمجهولين قد أصبحوا بشكل ما أعضاء في حزب غير مهيكل هو حزب الفايسبوك والتويتر الذي يجمع كل الغاضبين والمقصيين والقلقين على مستقبلهم ومستقبل بلادهم ، يجمع الجوعى والمرضى والعاطلين . يجمع اليساري والإسلامي والقومي العربي والقومي الآمازيغي . حزب لا تعيقه معيقات ايديولوجية ولا خلافات مذهبية ولا انتماءات جهوية ولا اختلافات طبقية . حزب سلاحه الفتاك كلمة السر mot d'ordre التي تنتشر بسرعة مفرطة كالنار في الهشيم .
أيها السادة من النخب الحاكمة والمسؤولة في مختلف القطاعات العامة والخاصة ، هل تعرفون ما هي مشكلتكم الثانية ؟
مشكلتكم الثانية أنكم لم تستوعبوا حجم الدمار الذي أصاب الحياة السياسية الحزبية المغربية من جراء عبث العابثين بها حتى فقد الشعب الثقة في العمل السياسي وفي السياسيين فبحث عن بدائل نضالية جديدة.
أيها السادة من النخب الحاكمة والمسؤولة في مختلف القطاعات العامة والخاصة ، هل تعرفون ما هي مشكلتكم الثالثة ؟
مشكلتكم الثالثة أنكم تسمعون ولكنكم لا تلقون السمع وتمعنون النظر ولكن لا تنظرون بعين البصيرة كي تقفوا على مطالب وهموم هذا الشعب. وحينما تهبون لحل مشكل ما فإنكم تعالجون المشاكل بعقلية الإطفائي الذي يكون همه الأساسي اطفاء النار فقط وينسى أنه رجل وقاية ودور رجل الوقاية هو منع النار من الاشتعال وحتى حينما تشتعل يطفئها ويضع كل الوسائل لمنع أسباب اشتعالها من جديد!.
الآن وقد عرفنا من هم المداويخ/ الخونة /المجهولين من أبناء هذا الشعب الذي ساهم أجداده في صناعة واحدة من أكبر الحضارات التي عرفتها البشرية ، هذا الشعب الذي يختزن في جيناته وذاكرته الجماعية التاريخية رصيدا لا يفنى من الرأسمال اللامادي . سأدلي بدلوي في سبب استهداف المقاطعين للشركة الأولى في توزيع المحروقات والشركة الأولى في توزيع المياه المعدنية والشركة الأولى في توزيع الحليب في المغرب ؟
لا أعتقد أنه اختيار عبثي أو اختيار مدوخ من مدوخين ، بل هو اختيار يحمل رسائل ذات دلالات متعددة الأبعاد . هو بداية رفض الغلاء الفاحش للمعيشة في المغرب ، هو رفض لاقتصاد الريع ، هو رفض لاقتصاد تغيب فيه المنافسة ، هو استهداف لأوليغارشي نيوليبرالية محلية جشعة همها الوحيد هو تحقيق الأرباح الكبيرة غير عابئة بما يشهده الاقتصاد الوطني من صعوبات بسبب ظرفية اقتصادية دولية معقدة وتأثير ذلك على الأسر الفقيرة بل حتى الأسر المتوسطة الدخل . هو رفض لسياسات تحرير الأسعار، هو رفض لتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي، هو رفض لاستمرار التمييز الإيجابي لصالح أصحاب الرساميل.
وهو موقف ذا أبعاد سياسية حيث أراد المقاطعون بعث رسالة واضحة لأصحاب القرار السياسي برفضهم القاطع في الجمع بين الأعمال والسياسة. ولعل افرازات ما بعد الاستحقاقات التشريعية الأخيرة قد أعطت انطباع لدى عموم المغاربة بأن هناك ترتيب جاري من أجل أن يطلع رجال المال والأعمال بحظوة وموقع سياسي بارز في المستقبل المنظور أي بعد الاستحقاقات القادمة . وكل لبيب بالاشارة يفهم ، كما قال الشاعر معروف الرصافي .