في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي كانت الدول الأوروبية، ومن بينها انجلترا وهولاندا واسبانيا وفرنسا، تسعى إلى تثبيت أقدامها في إفريقيا، لإيجاد أسواق جديدة تروج فيها منتوجاتها، وتوفر موارد إضافية لخزائنها.
واقترح دومينغو فرانثيسكو باديا على الحكومة الإسبانية أن تقوم برحلة استكشافية عليمة، وسياسية، للبلدان الإفريقية، وبوجه خاص، في المغرب الأقصى.
ونزولا عن اقتراحه كلفه رئيس الوزراء الإسباني مانويل دي غودي (1767-1851) بالعمل في المغرب لصالح إسبانيا، وهو ما وافق عليه الملك كارلوس الرابع (1748-1818).
وتقرر أن يسافر إلى المغرب سنة 1803، للتجسس على أحوال هذا البلد الذي صار مجهولا لدى الإسبان، منذ أفول الحضارة الإسلامية في الأندلس. لكن وقبل توجهه إلى المغرب استعد لهذه المغامرة بشكل جيد، إذ أنه عمل على تعلم اللغة العربية، ثم درس تعاليم الدين الإسلامي ومبادئه، بل وحفظ بعض سور القرآن الكريم، وسافر إلى لندن لختان نفسه عند طبيب يهودي تحسبا لأي طارئ قد يكشف خطته.
لم يترك دومينغو فرانثيسكو باديا أي شيء للصدفة، وقبل إبحاره في اتجاه المغرب، اختار اسما جديدا له، فأطلق على نفسه اسم علي باي العباسي، مدعيا أنه ابن الأمير الأمير عثمان باي العباسي.
وصل علي باي مرفأ طنجة في 29 يونيه 1803، وهو متنكر في زي عربي، ونجح في أن يحوز ثقة حاكم المدينة وكبارها، وعاش في المدينة على أنه رجل مسلم أصله من الشام وبالضبط من مدينة حلب.
ومما عزز مكانته في المدينة تمكنه من بعض العلوم خاصة علم الفلك، خصوصا وأن تلك الفترة تزامنت مع تراجع كبير في ميدان العلم والمعرفة لدى المغاربة والمسلمين بصفة عامة، ويصف علي باي نفسه ويقول في كتابه الذي ألفه وأطلق عليه اسم "رحلة علي باي إلى افريقيا وآسيا"، "الجميع في طنجة غارق في الجهل، فلا أحد هنا يعرف أن الأرض كروية الشكل، ولا يفرقون بين التنجيم وعلم الفلك".
لم يضع علي باي وقته في المدينة، فبعدما كسب ود وجهائها، بدأ يطمح في كسب ثقة السلطان المولى سليمان، وهو ما لم يتأخر كثيرا فأثناء زيارة السلطان إلى المدينة في شهر أكتوبر من سنة 1803، طلب السلطان لقاءه نظرا لشهرته ومكانته في المدينة.
وبالفعل خصص له سلطان البلاد استقبالا كبيرا، يليق بأمير مسلم منفي، ثم منحه قصرا في مدينة مراكش تقديرا له وللسلالة التي ينتسب إليها، وحيثما ذهب أحيط برعاية فائقة تعهد السلطان بالحفاظ عليها، وكان يرحل برفقة بطانة من الخدم والحرس والمرافقين متأبطا رسائل توصي بضرورة الاهتمام به حيثما حل.
وبعدما تمكن من كسب ثقة السلطان وصار جليسه المفضل، بدأ في تطبيق خطته التي يبتغي من ورائها جعل المولى سليمان يطلب الحماية الإسبانية لبلاده ليجنبها الأطماع الفرنسية المتصاعدة، إلا أنه فشل في مسعاه ولم يتمكن من إقناع السلطان بخطته.
وعندما تيقن بأنه لن يتمكن من تحقيق هدفه، فكر في خطة بديلة، فشرع في العمل على تغذية الاستياء الشعبي ضد السلطان بذرائع كثيرة، مما يفضي إلى تمرّد عام يجد فيه الأسبان ذريعة للتدخل من أجل تهدئة الأمور، فيتحقق لهم احتلال المغرب حفاظا على أمنه.
لكن وبعد ذلك خشي من انكشاف أمره، استأذن في شهر فبراير من سنة 1805، السلطان في التوجه إلى الأراضي المقدسة لتأدية فريضة الحج فاستقبل المولى سليمان رغبته دون اعتراض، إلا أنه اقترح عليه أن يترأس سرية وأن يقصد بها مدينة مليلية ليحاصرها.
شكر علي باي السلطان على ثقته إلا أنه التمس من جديد الإذن بمغادرة المغرب لتأدية فريضة الحج وألح إلحاحا، وأذن له السلطان آخر الأمر بالتوجه لأداء فريضة الحج، فرحل عن مراكش في شهر مارس من سنة 1805.
وعند وصوله إلى بلاد الحجاز، حاز على ثقة شريف مكة ومكنه هذا الأخير من زيارة جميع الأماكن المقدسة، حتى أنه سمح له بتنظيف وتعطير الكعبة ولقبه بخادم بيت الله الحرام.
وبعد أدائه مناسك الحج، زار أماكن أخرى في اسيا قبل أن ينهي رحلته سنة 1807 ويؤلف كتابه السابق الذكر، ومات ببادية الشام في قلعة البلقاء قرب الزرقاء (مدينة أردنية) في مستهل شهر شتنبر من سنة 1818.
تمثال علي باي العباسي في طنجة