في الجزء الأول من هذا الحوار يحكي السالك الذي ولد بالحكونية بالصحراء سنة 1956، عن نشاط جيش التحرير المغربي في الصحراء الغربية، وعن بدايات تأسيس جبهة البوليساريو.
وبحسب المحجوب السالك فإن جيش التحرير شكل نقطة "بارزة في تاريخ المغرب العربي ككل والمغرب، والصحراء خصوصا"، مضيفا أن "الصحراويين كانوا جاهزين للجهاد وينقصهم من يشعل لهم الفتيل، ولما جاء مناضلو ومقاتلو جيش التحرير إلى كلميم انضموا لهم".
وتابع أن "الصحراويين بطبيعتهم كانوا مجاهدين، لكل جمله وراحلته وبندقيته، وأعلنوا الجهاد وأزعجوا فرنسا لأنهم ضربوا حاسي منير وقرب تندوف وقرب بئر مقرين وفي الصحراء، وأصبح الموقع الذي تتواجد فيه القوات الفرنسية مهددا، خصوصا وأن الثورة الجزائرية كانت في قمتها آنذاك".
وباتت فرنسا تتخوف حسب السالك من التقاء الثورة الجزائرية مع هؤلاء المختصين في الصحراء والذين لهم تاريخ كبير في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وهو ما سيشكل بالنسبة لها "كارثة"، لهذا تحالفت بحسبه "فرنسا مع الديكتاتور فرانكو، ضد جيش التحرير
لأنه في ذلك الوقت لم يبق من الصحراء خارج أيادي جيش التحرير سوى النقاط البحرية ممثلة في طرفاية بوجدور والعيون والداخلة والكويرة".
ويواصل السلك حكيه قائلا "الخطأ الذي أعتبره من أسباب النزاع الحالي هو أن النظام المغربي ساعتها اختار أن يعطي الأسبقية للدولة الجديدة التي خرجت من الحماية بدلا من إعطاء الأسبقية للأطراف وهذا ساعد في إفشال جيش التحرير لأنه لو لم يفشل لكانت مشكلة الصحراء وتندوف وموريتانيا وجدت طريقها إلى الحل منذ زمان".
وأضاف أن "هذه من الأخطاء التاريخية التي لا يذكرها العديد من المؤرخين المغاربة رغم أنها كانت سببا في حرب الرمال سنة 1963 وفي تكوين دولة موريتانيا، وفي النزاع الموجود حاليا في الصحراء الغربية".
وبعد القضاء على جيش التحرير سنة 1958، عاد الهدوء من جديد إلى الصحراء لمدة عشر سنوات، قبل أن يبدأ الصحراويون في التفكير في طرد جبهة البوليساريو، وكانت النقطة التي أفاضت الكأس بحسب السالك هي قمع تظاهرات 17 يونيو من سنة 1970، آنذاك قام "الفقيد سيدي محمد بصيري وهو صحراوي من بني عياط درس في المغرب ومصر وسوريا، بتأسيس حركة يطلق عليها اسم المنظمة الطلائعية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وبدأ في تنظيم الناس، وبدأت الناس تبحث عن مواجهة الاستعمار الاسباني ونظموا مظاهرات يوم 17 يونيو 1970 في مدينة العيون لمطالبة الاستعمار الاسباني بأن يعطيهم الحكم الذاتي، وأن يساويهم بالإسبان وبأن يعطيهم حقهم في استخدام اللغة العربية في المدارس وأن يمكنهم من تسيير ثرواتهم لكن إسبانيا ساعتها وهي النظام الديكتاتوري لم ترحمهم، وأطلقت عليهم النار وكانت مجزرة، وهو ما خلق بداية ظهور الوعي السياسي عندنا كصحراويين وأن لدينا أرض مستعمرة وعلينا أن نعمل على تحريرها ليتولى الوالي مصطفى السيد بعد ذلك البقية".
وزاد قائلا "لما وقعت هذه المجزرة التقى الوالي بعدد من الصحراويين بجامعة محمد الخامس بالرباط، وبدأ التفكير في العمل على تحرير الصحراء...، وبدأ بتكوين الخلايا الأولية للبوليساريو، وأتذكر أن النشيد الحالي للبوليساريو تمت كتابته بأكدال بالرباط بتوجيه من الوالي ومن خلي هن ماء العينين والذي هو النشيد الرسمي لثورة لبوليساريو".
إثر ذلك توجه الوالي مصطفى السيد إلى طانطان "وناقش معنا القضية وأعطانا بعدا سياسيا للفكرة، بأنه لا بد أن نعمل جميعا كيف ما كنا من أجل تحرير الصحراء وطرد الاستعمار الاسباني وهنا بدأ التنظيم الفعلي لما يعرف بالحركة الجنينية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، التي ستكون هي النواة الجنينة التي تتمخض عنها ما يعرف حاليا بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب أي البوليساريو".
وعن نظرة الصحراويين للمغرب آنذاك قال "قبل تأسيس البوليساريو كانت الرؤية مختلفة، هناك اليساريون منا المتشبعون بأفكار تنظيم إلى الأمام و23 مارس...، ويرغبون في الانقلاب وتغيير النظام، وهناك الذين لا يعنيهم الأمر، بقد ما يعنيهم أنه يجب أن نعمل على تحرير الصحراء، وهناك من يرى أنه يجب أن نطلب من المغرب المساعدة، وعلى هذا الأساس التقى الوالي ومجموعة من الصحراويين بالأحزاب المغربية في الرباط، ولم تكن هذه الأحزاب في مستوى تحمل مسؤولياتها التاريخية...، بوعبيد وعلي يعتة، قالوا لهم اتركوا السياسية لأنها صعبة عليكم أنتم لازلتم صغارا، وعلال الفاسي قال لهم اذهبوا لتحرير الصحراء وأنا أفاوض باسمكم، وكان رد الفعل ضعيف، والمسؤول في وزارة الداخلية ادريس البصري الذي لم يكن بعد وزيرا للداخلية لما اجتمعوا معه وناقشوا معه التفت اليهم ضاحكا ساخرا وقال لهم لا يمكن للمغرب أن يفرط في مصالحه مع إسبانيا مقابل مجموعة من الرعاة، هذه الأمور كلها تراكمت وخلقت لدى هؤلاء لشباب فكرة القيام بالثورة اعتمادا على وسائلهم الذاتية، ما داموا لم يجدوا تفهما لا من طرف الدولة المغربية ولا من طرف الأحزاب المغربية، مع التحفظ على أن المحجوب الصديق ومنظمته النقابية كان موقفها معنا ممتازا، وحركة إلى الأمام كان موقفها ممتازا أيضا، لكن قوتهم التأثيرية كانت ضعيفة جدا آنذاك".
بعد فشل زيارته إلى الرباط قرر الوالي بحسب المحجوب السالك "تنظيم مظاهرات بطنطان التي يوجد بها الكثير من الصحراويين لنطلب من المغرب علنا أن يساعدنا في تحرير الصحراء".