كانت جرادة ووجدة يومي 7 و 8 يونيو من سنة 1948على موعد مع حدث غير مسبوق في تاريخهما، إذ وقعت مجزرتان الأولى في مدينة وجدة راح ضحيتها 5 قتلى و15 جريحا، والثانية في جرادة راح ضحيتها 37 مواطنا مغربيا من معتنقي الديانة اليهودية، فيما جرح 29 شخصا.
وتزامنت هاتين المجزرتين بحسب ما أوردت مجلة "زمان" مع موجة غضب شعبي عارم في مختلف البلدان العربية جراء اعتراف الأمم المتحدة بقيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين.
هذا التزامن جعل بعض الباحثين يربطون بين المجزرتين وتطورات الأوضاع في فلسطين المحتلة، فيما ذهب البعض الآخر إلى القول بعدم وجود علاقة بما كان يحدث آنذاك في فلسطين والمجزرتين التين شهدتهما وجدة وجرادة، وأرجعوا الأمر إلى خصوصيات السياق السياسي والاقتصادي، وما فرضه من تحولات على حياة المغاربة، مسلمين ويهود، خصوصا في مدينة جرادة العمالية.
المجزرتين وقعتا إبان الحماية الفرنسية للمغرب، وذهب المسؤولون الفرنسيون إلى أن هذه الأحداث اتخذت "طابعا محليا"، وأنها جاءت بسبب هجرة اليهود نحو إسرائيل وهو ما أثار غضب المسلمين المغاربة.
وفي الثامن من شهر يونيو من سنة 2014 نشرت صحيفة "هآرتس" الواسعة الانتشار في إسرائيل مقالا عن المجزرتين، وقالت إن الحادثتين ساهمتا في ترسيع هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل.
وأضافت الصحيفة العبرية أنه بعد أيام قليلة من إعلان قيام دولة إسرائيل (14 ماي 1984) ألقى السلطان المغربي محمد الخامس خطابا حذر فيه اليهود المغاربة من إظهار "التضامن مع العدو الصهيوني" لكنه ذكر في خطابه أيضا أن اليهود رعايا محميين من طرفه.
وأشارت هآرتس إلى أن الخطاب الذي تضمن "تهديدا ضمنيا" لليهود، كان له تأثير بالغ على مشاعر المغاربة، حيث ازداد عداءهم لليهود بشكل كبير.
وقالت إنه في صباح 7 يونيو نزل المتظاهرون إلى الحي اليهودي في وجدة وقتلوا خمسة أشخاص، وجرح آخرين. وفي اليوم الموالي انتقلت أعمال الشغب إلى مدينة جرادة وقتل 37 يهوديا من بينهم حاخام المدينة موشي كوهين، علما أن عدد اليهود في المدينة كان يبلغ 120 شخصا.
وأعلن آنذاك المفوض الفرنسي لوجدة رينيه برونيل، أن اليهود يتحملون مسؤولية اندلاع أحداث العنف بسبب مرورهم عبر مدينة وجدة في طريقهم إلى إسرائيل وإظهار تعاطفهم مع الحركة الصهيونية. وبحسب تقرير صادر عن الخارجية الفرنسية آنذاك فإن "فإن سكان المنطقة الواقعة قرب الحدود الجزائرية كانوا ينظرون إلى جميع اليهود المغادرين باتجاه إسرائيل كونهم مقاتلين إلى جانب الدولة العبرية".
وفي الوقت الذي حملت فيه السلطات الفرنسية المسؤولية لليهود فيما وقع، ألقت الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان والمواطنة باللائمة على السلطات الفرنسية التي كانت تسيطر على المنطقة.
وحوكم العديد من المسؤولين العماليين في مدينة جرادة بتهمة التحريض على ارتكاب المجزرة، وتمت إدانة العديد منهم بالسجن مدى الحياة مع الأشغال الشاقة.
وبعد المجزرتين تسارعت وتيرة هجرة اليهود من المغرب باتجاه إسرائيل وفي العام الموالي غادر حوالي 18 ألف فرد من الطائفة اليهودية البالغ عددهم آنذاك 250 ألف شخص باتجاه إسرائيل، وخلال الفترة الممتدة ما بين 1956 و1958 تجاوز عدد اليهود الذين التحقوا بإسرائيل 100 ألف شخص، علما أنه بعدما حصل المغرب على استقلاله قام الملك محمد الخامس بحظر هجرة اليهود، ومنحهم حقوقا سياسية، وصرح بأن اليهود أضحوا مواطنين كاملي المواطنة، حيث كان يؤكد في كل خطاباته الأولى بعد الاستقلال على مواطنة المغاربة اليهود وحقهم كباقي المغاربة ويطمئنهم باستمرار. وعين وزيرا يهوديا هو ليون بن زاكين في الحكومة الأولى والثانية.
وبعد وفاة محمد الخامس، اتخذت الأمور منحا مغايرا بالنسبة لليهود المغاربة وتم فتح الحدود أمامهم مجددا من أجل الهجرة نحو إسرائيل.