في أواخر القرن الثاني الهجري، وصل المولى إدريس الأول بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، إلى المغرب بعدما تمكن من النجاة من معركة "فخ" قرب مكة التي وقعت سنة 169هـ/785م بين "الطالبيين" بقيادة الحسين بن علي الخير، والعباسيين بقيادة المهدي بن أبي جعفر.
وأسس المولى إدريس في سنة 172هـ الدولة الإدريسية التي تعتبر ثاني دولة إسلامية مستقلة عن الخلافة الإسلامية في غرب العالم الإسلامي بعد دولة الأمويين في الأندلس، واستفاد في ذلك بحسب ما جاء في كتاب "دولة الأدارسة في المغرب"، للدكتور سعدون عباس نصر االله، من الولاء والحب الكبير الذي يكنه المغاربة للرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته، حيث تنازل له أمير أوربة عن الملك بعد أشهر من وصوله سنة 172هجرية، واستطاع خلال سنتين أن يوحد المغرب، ويجمع شمله.
إدريس الأول لم يكن شيعيا
يتخذ بعض الشيعة من نسب المولى إدريس، وخروجه عن سلطة الخلافة العباسية دليلا على تشيعه، غير أن بعض الكتاب والمؤرخين يرون أن التشيع لم يكن بالنسبة لمؤسس الدولة الإدريسية إلا قضية سياسية، وانتماء لعسكر المطالبين بحق آل البيت في الخلافة، وليس أكثر من ذلك.
يقول الدكتور محمد الحاجري في كتابه مرحلة التشيع في المغرب العربي "في ذلك الوقت الذي دخل فيه التشيع إلى المغرب العربي، -أي في عهد الفاطميين- كان هذا المذهب قد تحول تحولا ظاهرا كبير الخطر ،فلم يعد كما كان الشأن فيه في مبدأ أمره مجرد دعوة لأبناء علي وفاطمة، أو ثورة على الأمويين إذ غصبوهم حقهم".
وتابع الكاتب نفسه أن التشيع دخل إلى المغرب مع إدريس الأول "في أواخر القرن الثاني، ولكن ما أبعد ما بين التشيع الجديد والتشيع القديم: التشيع الفارسي والتشيع العربي... فدولة الأدارسة لم تكد تفرض مذهبا معينا، أو أن ما فرضته من ذلك إنما كان في حدود ضيقة ...قبل أن يصطبغ التشيع بتلك الصبغة الباطنية، ويرتبط بالقومية الفارسية".
ويذهب صاحب الكتاب إلى التأكيد على أن المولى إدريس الأول لم يكن شيعيا إلا بالانتماء السياسي، ولذلك لم يعمل على نشر المذهب الشيعي في بلاد المغرب الأٌقصى.
وفي كتابه "دولة الأدارسة في المغرب، العصر الذهبي" يؤكد الدكتور سعدون عباس نصر الله أن المولى إدريس كان بعيدا كل البعد عن المذهب الشيعي حيث يقول "ومما يثير الاستغراب أن الأدارسة كانوا علويين شيعة، والقضاء في دولتهم على المذهب المالكي".
وهو نفس الاتجاه الذي ذهب فيه عبد الله كنون في مقال له نشر في مجلة دعوة الحق تحت عنوان "إدريس الأكبر وإدريس الأصغر" حيث يقول "عمل إدريس على إبلاغ الدعوة الإسلامية خالصة من الزيغ والانحراف إلى الجميع، واستنفذ الذين استهوتهم البدع والأهواء من الضلال، ووحد كلمة المغرب وقلوب أهله من يومئذ على مذهب السنة والجماعة، فلم يمل عنه بعد ذلك حتى يوم الناس هذا".
واستدل كنون على كون إدريس الأول سني المذهب، بمؤازرة الإمامين مالك ابن أنس ثاني الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب المالكي في الفقه الإسلامي، وأبي حنيفة النعمان أول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي، للعلويين في مواجهة الدولة العباسية.
وتابع أنه لو كان العلوين آنذاك شيعة لما آزرهم مالك وهو القائل عن الشيعة : "لا تكلمهم ولا ترو عنهم؛ فإنهم يكذبون".
وعضد المؤرخ المصرى تقي الدين المقريزى ما سبق في كتابه "اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء او اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا"، مشيرا إلى أن التشيع لم يدخل إلى المغرب إلا على يد الدولة الفاطمية، الذين فرضوا على المغاربة الدخول في المذهب الشيعي بالقوة، فأول ما فعل عبيد الله بن الحسين المهدي (مؤسس الدولة الفاطمية) بعد أن استتب له الأمر "أنه أمر يوم الجمعة أن يذكر اسمه في الخطبة، ويلقب بالمهدي أمير المؤمنين في جميع البلاد، فلما كان بعد صلاة الجمعة جلس رجل يعرف بالشريف ومعه الدعاة، وأحضروا الناس، ودعوهم إلى مذهبهم، وقتل من لم يوافق".
ويذهب آخرون إلى القول بأنه لو كانت دولة لأدارسة شيعية، لما حاربها الفاطميون الشيعة، وأسقطوها سنة 305 هجرية.
إدريس هاني: إدريس الأول شيعي
لكن بالمقابل يرى المفكر المغربي الشيعي البارز ادريس هاني أن الذين يقولون بأن إدريس الأول لم يكن شيعيا، "يدافعون عن موقف شاذ، لأنه لم يكن الحديث آنذاك عن سنة وشيعة".
ويضيف ادريس هاني في تصريح لموقع يابلادي أن "التأريخ للمولى إدريس كان تأريخا سياسيا، وبالتالي حينما نتحدث في الإطار السياسي ولما نستعمل عبارة التشيع فهي لا تقابل السنة، لما نقول التشيع، ليس بالضرورة هو مقابل السنة كمذهب كلامي أو فقهي، إنما يكون مقابل التشيع الآخر، أي التشيع لبني أمية، أو التشيع لبني العباس، إذن التشيع هو عصبة وهو حزب، والشيعة في اللغة هم الأنصار".
وتابع "حينما نؤرخ لتجربة المولى إدريس فيقصد هنا بالتشيع التيار المقابل للتيار الأموي والعباسي، لأنه آنذاك لم تكن هناك السنة والجماعة والشيعة بالمفهوم الكلامي، كانت الحساسيات أغلبها سياسي، فبالتالي سيكون من المغالطة أن يقول أي كان أن إدريس كان سنيا بالمعنى المذهبي للعبارة، إنما كان شيعيا لأنه ابن الحركة العلوية، وقائد أساسي في هذه الحركة إلى جانب أخوه يحي، وولاءه لأهل البيت الذي به يقوم مفهوم التشيع أمر مفرغ منه".
وبحسب هاني فإن الحركة العلوية التي ينتمي إليها إدريس الأول "هي الشكل الذي كانت عليه الحركة الشيعية في ذلك الوقت، وبالتالي هو شيعي، والمعنيون بتاريخ المغرب أٌقروا بذلك من أمثال المؤرخ المغربي أبو العباس احمد بن خالد الناصرى، صاحب كتاب الاستقصا، وعبد الهادي التازي، وعبد الله العروي، وابراهيم حركات، وهؤلاء هم مؤرخو المغرب وكلهم كانوا يقولون بأنه شيعي، أما الآخرون فكل منهم ينسبه لتيار منهم من يقول إنه معتزلي ومنهم من يقول إنه زيدي...".
وجزم هاني أنه "لا أحد يستطيع أن يقول إن ادريس الأول والثاني لم يكونا شيعيان، وهناك مصكوكات تؤكد على ذلك، والعملة التي صكها إدريس الثاني كان عليها بعض الأسماء مثل علي وفاطمة ومحمد وإلى غير ذلك".
وذهب إلى حد أن الذين يقولون "بأن إدريس الأول لم يكن شيعيا فعلوا ذلك تحت ضغط النزعة المذهبية وإلا فالتحقق العلمي كما يتفق عليه أهم المؤرخون هو أنه شيعي، وحتى الذين يقولون انه زيدي فهم لم يخرجوا عن الشيعة لأن الزيدية هي إحدى فرق الشيعة".
ورد عن الذين يقولون بأنه لو كانت دولة الأدارسة شيعية لما حاربتها دولة الفاطميين الشيعية بالقول "لم يكن هناك هجوم، كان هناك تقاطعات تاريخية، ولم تكن هناك معركة، كانت هناك خلافات سياسية، وإلا سنقول بأن الذين تحاربوا وتقاتلوا في التاريخ لم يكونوا من نفس المذهب، فبالتالي هذه كلها نقاشات تحاول عبر المغالطة المنطقة، أن تدخل في هذا النوع من الحجاج. قضية تشيع إدريس ثابتة، وبديهية".
وأوضح إدريس هاني أن الذين يريدون أن يثبتوا بأن المولى إدريس لم يكن شيعيا "هم الذين يجب عليهم أن يأتوا بالدليل، فإدريس من قادة الحركة العلوية، وكيف يكون ابن الحركة العلوية غير شيعي".
وختم حديثه للموقع قائلا "أبو إدريس، عبد الله الكامل المعروف بعبد الله المحض مدفون في العراق وقبره مزار داخل مجتمع شيعي، وكل الطقوس التي حوله شيعية محضة. لا يمكن أن يأتي متأخرون متأثرون بالتحريف التاريخي الذي تقوم به بعض الحركات السلفية، ثم يحاولون أن يقرؤوا التاريخ كأنه شيء كان خاطئا، يريدون أن يحرفوا التاريخ".