تسير مشاورات تشكيل الحكومة إلى مزيد من التعقيد، ففي الوقت الذي يرفض فيه رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران ضم حزب الاتحاد الاشتراكي للحكومة، تم يوم أمس الإثنين انتخاب القيادي الاتحادي الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب بأغلبية 198 صوتا.
محمد ظريف: على بنكيران الاعلان عن فشله في تشكيل الحكومة
قال الاستاذ الجامعي محمد ظريف الذي يرأس حزب الديمقراطيون الجدد في تصريح لموقع يابلادي أن انتخاب المالكي رئيسا لمجلس النواب "أمر غير طبيعي، لأنه ولأول مرة يبدو أن الأغلبية ليست إلى جانب المكلف بتشكيل الحكومة". وأضاف ظريف:
"أن ما هو أساسي فيما جرى بالأمس هو عدد الأصوات المحصل عليها، فالحبيب المالكي فاز برئاسة المجلس بعد حصوله على 198 صوتا، ومجموع هذه الأصوات تعني الأغلبية المطلقة، لأنه حتى بنكيران كان يبحث عن 198 صوتا ليشكل أغلبيته، إذن فالحزب الذي يرفض رئيس الحكومة المعين إشراكه في الحكومة والذي يعتبره حزبا ينبغي أن يستمر في المعارضة، حصل مرشحه على الأغلبية داخل مجلس النواب، بمعنى أننا اليوم أمام رئيس حكومة مكلف ينتمي إلى الأقلية، وهو وضع غير طبيعي".
ورأى ظريف أن كل القراءات السليمة "تذهب إلى أنه في حالة ما إذا انتخب الحبيب الماكي، رئيسا لمجلس النواب يفترض في رئيس الحكومة المكلف، أن يعلن فشله في تكوين أغلبية، لكن رئيس الحكومة المكلف من خلال ما تسرب من أخبار لا زال مصرا على مواصلة المشاورات".
فالمنطق بحسب ظريف "يقتضي أن يعتذر بنكيران، بصرف النظر عن التبريرات المقدمة، لأنه مع الأسف ظل يبحث عن مبررت ويتحدث عن الأحزاب المتحكم فيها والفاقدة لاستقلاليتها، ويحاول أن يبحث عن أسباب لفشله في تشكيل الحكومة، مع العلم أنه الآن ليس المهم هو البحث في الأسباب لأنه في جميع الأحوال الأحزاب التي تفرض عليه شروطها، ومن حقها أن تقبل المشاركة في الحكومة بشروطها هي وليس بشروط بنكيران".
وأكد ظريف أنه أصبحنا الأن أمام وضع وصفه بـ"الشاذ"، وانتقد من يقارن ما حدث من انتخاب لرئيس مجلس النواب يوم أمس بما حصل خلال سنة 1998، وقال "هناك من يذكرنا بأنها ليست المرة الأولى التي اضطر فيها مجلس النواب إلى انتخاب رئيسه رغم عدم وجود أغلبية لأن أول مرة كانت مع اليوسفي، ولكن مع اليوسفي كان الوضع طبيعيا، ورغم أن الأغلبية لم تكن قد تشكلت وكان الملك قد عين اليوسفي لتشكيل الحكومة، عقد مجلس النواب جلسته، وقدم الاتحاد الاشتراكي مرشحه عبد الواحد الراضي وفاز، فلو أن السيناريو تكرر وفاز مرشح ينتمي لحزب العدالة والتنمية، لكان الوضع عاديا يمكن أن نقارنه مع ما جرى سنة 1998، أما الآن الوضع جد مختلف حزب تصدر نتائج الانتخابات وأمينه العام مكلف بتشكيل الحكومة، ورغم ذلك يمتنع عن تقديم مرشح، ويترشح شخص من حزب يصر رئيس الحكومة على إبقائه في المعارضة ويفوز". ورأى ظريف أن المآل الطبيعي "هو أن يعتذر بنكيران، ويعلن عن فشله في تشكيل الأغلبية".
أفتاتي: انتخاب المالكي رئيسا لمجلس النواب مقدمة للسطو على الحكومة
من جهة أخرى رأى البرلماني السابق باسم حزب لعدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي، والذي سبق للحزب أن علق خلال شهر يونيو الماضي جميع مهامه الحزبية، إثر قيامه بزيارة إلى الحدود المغربية الجزائرية، أن انتخاب المالكي رئيسا لمجلس النواب "ليس له أساس"، وأنه "بعيد عن السياسة والديمقراطية، والأسس الدستورية".
وأضاف أن ما وقع "سطو على مجلس الواب، ويذكرنا بالسطو الذي تم على مجلس المستشارين، بالنسبة لي هذه مقدمة لاحتلال الحكومة". وتابع "الكل يرفض الاشتغال من موقع المعارضة، وأن يشتغل بمنطق التداول، الكل يريد أن يكون في الحكومة، بالتفاهم أو بالأساليب المذلة، ما يقع سابقة، هذه مسخرة غير مسبوقة". وأضاف أن ما وقع يوم أمس هو
"ضربة موجعة لصورة البلاد في الخارج، بعض السفهاء يعتبرون الأمر مرتبطا بحزب العدالة والتنمية وبنكيران، بينما الأمر مرتبط بصورة البلاد، الآن تاريخ البلاد يكتب، فإما أن يدون بطريقة سليمة، أو بطريقة تضر بمصالحنا".
وبحسب أفتاتي فإن الإشارات التي أعطيت يوم أمس لا يمكن أن تلتقط بشكل إيجابي في الخارج، وانتقد من يربطون بين انتخاب المالكي والمصلحة العليا للوطن وتساءل "ما هي المصلحة العليا للوطن؟ هل هي الإضرار بالأسس الدستورية والديمقراطية للبلاد؟ هل المصلحة هرطقة؟ هل التفاهم على اختيار رئيس مجلس النواب يتم بالتنسيق مع قائد الأغلبية، أم مع قائد البؤس؟ عن أي مصلحة يتحدثون؟ ما وقع مسخرة".
ورأى أن تشكيل الحكومة المقبلة يجب أن يتم "طبقا للأسس الديمقراطية، أو يتم إجراء انتخابات سابقة لأوانها، فلا يمكن أن نعبت بالاقتراع والدستور، هناك دستور يجب الخضوع له، والدولة العميقة ليست أعلى شأنا من الدستور".
الغالي: انتخابات سابقة لأوانها هي الحل
أما محمد الغالي استاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض، فقد قال في تصريح لموقع يابلادي إن
"مسار تشكيل الحكومة مسار متبعثر، فالدستور يعطي على الأقل للمعارضة في إطار الاعتراف بوضع مهم وأساسي لها كي تكون شريكا في التدبير والتسيير، رئاسة لجنة من اللجان الدائمة اليوم يتحدثون عن أنهم سيشكلون اللجان، فأين هي الأغلبية وأين هي المعارضة؟ هل الأغلبية هي التي يقودها رئيس الحكومة؟ أم أن الأغلبية هي التي صوتت على انتخاب المالكي رئيسا لمجلس النواب، وأين هو الفصل 47 من الدستور من كل ماوقع؟".
وأضاف الغالي قائلا "ما وقع البارحة، يشير إلى أنه ليس هناك تجانس سياسي، فالفصل 47 من الدستور يتحدث عن تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات، واليوم نحن أمام أغلبية لا علاقة لها بالحزب المتصدر، وبالتالي فإن انتخاب المالكي أعطانا مفارقة سياسية".
وتابع أن "ما وقع البارحة هو أن الأغلبية هي التي انتخبت رئيس مجلس النواب، والمعارضة هي التي قررت التصويت بالورقة البيضاء، أو الانسحاب".
وبحسبه فإنه إن لم "تدخل الأطراف السياسية في مرحلة للتعايش السياسي، فإن ما يقع سيطرح إشكالا كبيرا، وربما هذا لا يبشر بخير فيما يتعلق بدور الأحزاب السياسية، خصوصا فيما يتعلق بإدارة مرحلة تفعيل المقتضيات التي جاء بها دستور سنة 2011".
وأكد الغالي أن السيناريو الذي بات يطرح نفسه بشدة "هو انتخابات سابقة لأوانها، لكن ربما سيتم إيجاد توافق من أجل تأسيس بنكيران حكومة أقلية، لتسيير البلاد لفترة سنة من أجل الإعداد للانتخابات". أما إذا شكلت حكومة في هذه الظروف، فإنها ستكون بحسبه "حكومة لن تتجاوز سقف حكومة تصريف الأعمال بكثير، ولن تقدر على الحسم فيما هو استراتيجي".