ا يختلف المرء في كون العربية السعودية والإمارات العربية، عن الجانب العربي، تلعبان دورا أساسيا في هذا النزاع ولهما مصالح استراتيجية وعقائدية في المنطقة. لم يعد خفيا كذلك بأن هاتين الدولتين تدعمان علنا، ماديا ومعنويا، مجموعات دينية بعينها. والمتضرر الأول والأخير مما يحدث في سوريا هم أناس من لحم ودم، ممن ليست لهم أية حيلة ولا قوة، أناس بسطاء لا يطلبون من الحياة إلا الإستمرار فيها، وهو الدافع الأساسي الذي جعل منهم نازحون، مشردون، تائهون، هاربون من ديارهم وأماكن عيشهم المعتادة، خوفا على أرواحهم. يخاطرون بحياتهم يوميا، مفضلين الموت في عرض المتوسط، كآخر ملجأ وحل لهم لكي لا يقضون تحت أنقاض الضربات الجوية والبرية لحرب تتعقد يوما بعد يوم. ويعتبر كل الفارين من الحرب "قمامة بشرية" لدول الخليج الستة، التي قدمت إلى حد الساعة مجتمعة مساعدة 900 مليون دولار لهؤلاء الهاربين. في حين قدمت الولايات المتحدة الأمريكية أربعة أضعاء هذه القيمة وشاركت إنجلترا لوحدها بمليار و 200 مليون أورو. للإشارة فإن دول الخليج لم توقع إلى حد الآن على اتفاقة جونيف لعام 1951، الخاصة برعاية اللاجئين. ومن المعلوم أن الدول العربية الأقل غنى من دول الخليج كالأردن ولبنان ومصر والعراق استقبلت أكثر من مليونين ونصف لاجئ سوري، منهم مليون و 200 ألف في لبنان لوحده، انضافوا إلى أربعة ملايين لبناني على مساحة تقدر بـ 10500 كلم مربع. وتقول تركيا بأن عدد اللاجئين السوريين على أراضيها فاق مليونين لاجئ.
إذا ألقينا نظرة خاطفة على تقارير إحصائيات منظمة العفو الدولية إلى غاية نهاية 2014، فإننا نصاب بالذهول فيما يخص عدد السوريين النازحين للدول الخليجية. هناك 661 شخص وصلوا إلى السعودية و221 إلى قطر و 1652 إلى الكويت. وعندما تعرضت السعودية إلى نقد دولي في هذا الأمر، "أكدت" بأنها استقبلت مليونين ونصف المليون من السوريين. والسؤال المطروح هو في أي مكان في السعودية يتواجد هؤلاء اللاجؤون؟ أستضافتهم السعودية في مخيم منى، غير بعيد عن مكة، حيث لها مأة ألف خيمة، مساحة كل واحدة منها 64 متر مربع على رقعة أرضية من 20 كلم مربع، مجهزة بآخر ما يمكن للمرء تصوره وفارغة على مدى السنة تقريبا؟ سيكون من العجيب الغريب الإعتقاد في الرقم الخيالي الذي قدمته السعودية، وإذا كان صحيحا بالفعل، فلماذا لا تقول أين يوجدون؟ إن الدولة التي "تتغنى" بفضائل "الأمة" وضرورة توحيدها والدود عن مقدساتها، والتي تقود حربا عشواء بالنيابة على دول مسلمة مجاورة، قد فقدت كل مصداقية. إن التصفية العرقية والدينية في سوريا واضحة المعالم، وتعمل دول الخليج العربي على تشجيعه سرا وعلنا بشتى الوسائل. وسلوك النعامة الذي اختاروه، لا يمكن أن يخفي مسؤوليتهم السياسية والإنسانية اتجاه النازحين السوريين العزل. ويعري هذا السلوك بالواضح عن تغلغل عبادة الدولار والخضوع له والركوع أمام صنم حب السلطة والسباحة في وعي زائف عن الدور الحضاري والإنساني، الذي على عاتق حكومات الخليج.
ما لا يطاق وما لا يقبل على الإطلاق هو أن السعودية اقترحت على ألمانيا، عندما تدفق اللاجؤون السوريون على أراضيها، تمويل بناء 200 مسجد في مدن ألمانية مختلفة لصالح السوريين. أهو ضحك على ذقن ورثة فكر كنط وهيجل وشوبنهاور ونيتشه وفروم وهيدجر وهابرماس؟ أهي محاولة لقطع الطريق على دخول اللاجئين المسيحية وهم الذين تيقنوا بأنه لم يبق في قلوب المسلمين من الإسلام إلا الإسم؟ هناك على أرض الواقع ظاهرة مثيرة موضوعية تلاحظ باستمرار عند اللاجئين السوريين في الدول الغربية وهي كون هؤلاء اللاجئين، وبعدما عاشوا في لحمهم ودمهم كل سلبيات الإسلام البيترو-دولاري، بدأ وعي حاد عندهم في رفض الإسلام جملة وتفصيلا.
ليس من الضروري الحديث عن مسؤولية دول مسلمة بعيدة جغرافيا عن سوريا اتجاه اللاجئين. ليست هناك أية دولة في شمال إفريقيا اهتمت بجدية بمصيرهم. فالمغرب مثلا تنصل نهائيا من مسؤوليته اتجاههم، على الرغم من أنه موقع على اتفاقية جونيف. وهذا عار كتب بحبر أسود على جبهة الساسة المغاربة على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الأيديوجية. فالحكومة صاحبة الأغلبية حاليا، والتي لها توجه إسلامي مصرح عنه علانية، لم تحرك ساكنا لمساعدة لا اللاجئين السوريين المتواجدين في المغرب ولا استقبال آخرين. على العكس من هذا، غلقت أبواب المغرب في وجههم تحت ذرائع واهية وتركتهم لمصيرهم. والحال أن دور المجتمع المدني في المغرب فيما يخص هذه القضية ملفت للنظر. ليست هناك إلا محاولات ضعيفة جدا للجمعيات الحقوقية والجمعيات اتجاه إخواننا السوريين المتواجدين على أرضنا. لم يبق إلا الأمل في المواطن العادي لمساعدة السوريين، كيف سيكون جميلا لو أن عائلات مغربية استضافت عائلات سورية لتقتسمها محنتها وتخفف عنها وزرها، وهذا أضعف الإيمان. لو كان في قلوب المسلمين مقدار حبة خرذل من الإيمان بالله ورسوله، لانفجرت هذه الحبة في قلوبهم رحمة بإخوانهم السوريين العزل وفتحوا لهم قلوبهم وبيوتهم. فالإسلام ليس هو فقط الشهادة والصلاة والصوم إلخ، بل هو قبل كل شئ دين رحمة وشفقة وحب ومد اليد للمحتاج. لم يؤسس النبي محمد (ص) الإسلام على الأركان الخمسة فقط، بل أيضا وأساسا على التضامن والتكافل بين المسلمين، وبالخصوص المحتاجين منهم. فبأي منطق نحسب أنفسنا من المسلمين ونحن نتفرج على محنة أبرياء من أطفال ونساء وشيوخ ومستضعفين هجروا ديارهم، ولم يختاروا الغربة، بل هي التي اختارتهم؟