القائمة

الرأي

الجزائر تنتصر لتخريب سفينة "اتحاد المغرب الكبير

 

في مثل هذا اليوم من السابع عشر من سنة 1989، تنفست الشعوب المغاربية الصعداء ، وقد شدت الأنظار إلى مراكش الحمراء مزهوة بزرع أول نبتة طيبة في تربة المغرب الكبير ، كل الأنظار المحلية والإقليمية والدولية ، تتبعت باهتمام كبير ما قد تصنعه قمة مراكش التي اجتمع ولأول مرة على أرضها قادة الدول المغاربية الخمس من أجل وضع أول خطوة في درب مسار تحقيق حلم شعوب المغرب الكبير، استطاع خلالها المرحوم الحسن الثاني بحنكته وتبصره وذكائه أن يلف حوله من كانوا بالأمس القريب من أشرس أعدائه وفي طليعتهم الزعيم الليبي الذي كان الداعم الأساس "للجمهورية الكرتونية" بتندوف التي صنعها عسكر الجزائر منتصف السبعينيات، بعد تدبير أكبر عملية تهريب للبشر في القرن العشرين، حيث جند العسكر الجزائري كل إمكاناته من أجل خطف وتهريب المغاربة الصحراويين من أقاليمنا الجنوبية في تجاه صحراء تندوف،.بعد النجاح الباهر للمسيرة الخضراء التي استرجع بها المغرب أقاليمه الصحراوية الجنوبية من المستعمر الاسباني بزحف مغربي سلمي لا يحمل من وسائل دفاعه عن نفسه سوى إيمانه بالله وبمغربية صحرائه وحبه للوطن وللملك، معبرا عن ذلك في أروع صورة حضارية وإنسانية تؤرخ لأمجاد التاريخ المغربي التليد ، حاملا في يده اليمنى القرآن الكريم وفي يده اليسرى علم الوطن، وعيناه على ثغور الصحراء من أجل إخراج المحتل الاسباني .

في مثل هذا اليوم من السابع عشر من سنة 1989، تنفست الشعوب المغاربية الصعداء ، وقد شدت الأنظار إلى مراكش الحمراء مزهوة بزرع أول نبتة طيبة في تربة المغرب الكبير ، كل الأنظار المحلية والإقليمية والدولية ، تتبعت باهتمام كبير ما قد تصنعه قمة مراكش التي اجتمع ولأول مرة على أرضها قادة الدول المغاربية الخمس من أجل وضع أول خطوة في درب مسار تحقيق حلم شعوب المغرب الكبير، استطاع خلالها المرحوم الحسن الثاني بحنكته وتبصره وذكائه أن يلف حوله من كانوا بالأمس القريب من أشرس أعدائه وفي طليعتهم الزعيم الليبي الذي كان الداعم الأساس "للجمهورية الكرتونية" بتندوف التي صنعها عسكر الجزائر منتصف السبعينيات، بعد تدبير أكبر عملية تهريب للبشر في القرن العشرين، حيث جند العسكر الجزائري كل إمكاناته من أجل خطف وتهريب المغاربة الصحراويين من أقاليمنا الجنوبية في تجاه صحراء تندوف،.بعد النجاح الباهر للمسيرة الخضراء التي استرجع بها المغرب أقاليمه الصحراوية الجنوبية من المستعمر الاسباني بزحف مغربي سلمي لا يحمل من وسائل دفاعه عن نفسه سوى إيمانه بالله وبمغربية صحرائه وحبه للوطن وللملك، معبرا عن ذلك في أروع صورة حضارية وإنسانية تؤرخ لأمجاد التاريخ المغربي التليد ، حاملا في يده اليمنى القرآن الكريم وفي يده اليسرى علم الوطن، وعيناه على ثغور الصحراء من أجل إخراج المحتل الاسباني .

 

نشر
DR
مدة القراءة: 11'

في ظل هذه الأجواء المفعمة بالود المشوب بالحذر بين القادة الخمس ، وفي ظل فضاء مغاربي يعيش لحظات انفراج ، كأنها أحلام متسارعة لم تستطع الشعوب المغاربية استيعاب تفاصيلها، أنذاك، بحيث بقيت تنتظر على مضض ما قد تسجله قمة مراكش من مفاجآت، كما جل المتتبعين والمهتمين بشان منطقة شمال غرب إفريقيا ، بحيث استطاع رئيس القمة الحسن الثاني يرحمه الله، بالرغم من كل العوائق، أن يفلح في جمع وتوحيد رؤية القادة المغاربيين. ونجح مؤتمر القمة في الاعلان عن إنشاء اتحاد المغرب العربي، الذي سطرت بالأحرف الأولى تفاصيل هياكله التدبيرية والتنظيمية، وأعطى القادة الخمس إشارات قوية أنذاك، من أجل تنفيذ مقررات وتوصيات القمة. وأضحت الشعوب المغاربية قاب قوسين أو أدنى من أن تتجول وتتسوق في بلاد المغرب الكبير بالبطاقة الوطنية فقط، ودون حواجز أو حدود، وكأنها في وطنها الممتد من نواكشوط إلى طرابلس مرورا بالرباط والجزائر فتونس الخضراء.

تسارعت الأحلام وتفتقت عبقريات التجار ورجال المال والأعمال والصناع والحرفيين والمثقفين والفنانين والصحافيين والاعلاميين ، وغيرهم، كل هذه العبقريات رسمت أحلاما في مخيلتها فاقت الواقع المشلول والطموح المشوب بالحذر حتى من قبل صناع القرار الذين وقعوا على شهادة ميلاد الاتحاد المغاربي الذي ولد غير مكتمل لعناصر المواطنة، التي تشكل المشترك لشعوب المغرب الكبير بمختلف حساسياته وإثنياته، بحيث كان النقاش دائرا بحدة حول تسمية الاتحاد الذي كان من المفروض أن يسمى الاتحاد المغاربي، أو اتحاد المغرب الكبير، اعترافا بكل الحساسيات المجتمعية لمنطقة شمال غرب إفريقيا، الأمازيغ منهم و العرب ومختلف الاثنيات والأعراق المشكلة لخريطة المنطقة المغاربية.

كل ما سلف ذكره ، كان قبل ربع قرن مضى، وما تكهنات الشعوب المغاربية بكون قمة ميلاد "اتحاد المغرب العربي"، حلم قد لا يسعفه الواقع المغاربي الملغوم أصلا، مما قد يحول دون تحقيق هذا الحلم الذي دشنته مدينة طنجة أول مرة قبل أكثر من نصف قرن، لما احتضنت اجتماعا تاريخيا لثلاث زعامات أحزاب، جاءوا من تونس ومن الجزائر ومن المغرب سنة 1958 ، ليعلنوا في لحظة تاريخية مميزة عن التفكير بجدية في وحدة مغاربية قوية، توحد المنطقة وتجعل منها قوة اقتصادية وبشرية مهمة. تكهنات أكدتها هذه السنين العجاف التي مر بها الاتحاد المغاربي حتى الآن، نظرا للالغام التي زرعتها كل من الجزائر وليبيا في طريق نمو هذا المولود نموا طبيعيا، كباقي التكتلات الجهوية في مختلف أنحاء العالم.

إن الشعوب المغاربية التي تلح الآن ، أكثر من أي وقت مضى، على ضرورة فتح الحدود بين الدول المغاربية من أجل التنقل والتجوال بكل حرية داخل الخريطة المغاربية، ترغب في اندماج مغاربي كلي ينصهر فيه كل أبناء المغرب الكبير ، في ظل ما شهدته المنطقة المغاربية من تغييرات جذرية مع رياح ثورات الربيع العربي الذي دشنته تونس قبل ثلاث سنوات ، حيث جرفت هذه الرياح العاتية معها كلا من زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية والقذافي زعيم ليبيا وملك ملوك إفريقيا إلى مزبلة التاريخ، فيما دبر قبل ذلك بسنوات انقلاب ضد ولد الطايع، وهو في مهمة خارج بلاده.

سال خلال هذه الثورات دم كثير، ولا يزال في كل من ليبيا،وتونس، ومصر، وسوريا ، واليمن، والعراق، وفي بلدان أخرى عربية وغربية أيضا، كما كان هناك حراك اجتماعي قوي، يطالب بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية على مستوى الخريطة العربية، لم تسلم بدورها من عنف شديد تسبب في تسجيل ضحايا ولا تزال هذه الانتفاضات الشعبية مستمرة، كما يحصل بشكل شبه يومي في الجارة الجزائر التي لم يصغ بعد حكامها إلى مطالب الشعب في الحرية والكرامة والتنمية، كما ، في تندوف التي تشهد فيها مخيمات العار انتفاضات متواصلة مطالبة بالانعتاق من ربقة عصابة البوليزاريو المدعومة بالجيش الجزائري الذي يكرس الاسترقاق وتضيق الخناق على المغاربة الصحراويين المحتجزين والمعذبين على مدى حوالي أربعة عقود ضدا على كل القوانين والقرارات والأعراف الدولية، وضربا لأبسط حقوق الانسان في العيش. وبالرغم من تغيير كل هؤلاء القادة الذين صنعوا حدث ميلاد" اتحاد المغرب العربي" بمراكش سنة 1989، وجاءت الثورات بقادة آخرين، لا تزال لحد الآن، الجارة الجزائر تضع العصا في عجلة قطار المغرب الكبير الذي انطلق دون رغبة بعض الأطراف المتحكمة في سدة قصر المرادية ، مما صعب من مسار انطلاق السفينة المغاربية التي تحكمت فيها الأمزجة الشخصية والذاتية لبعض الحكام بالجزائر على وجه الخصوص، دون مراعاة المصلحة العامة لشعوب المنطقة برمتها، بالرغم من الجهد الذي بذل من طرف المغرب وتونس في الآونة الأخيرة، في تجاه ضخ دماء جديدة في شرايين هيكل مغاربي يقتات من سنوات عجاف ، وذلك بعزمهما عقد قمة الاتحاد المغاربي التي كان من المنتظر أن تجمع القادة المغاربيين الجدد في العاشر من شتنبر من السنة المنصرمة بتونس، إلا أن معاكسة حكام الجزائر لتطلعات وأحلام الشعوب المغاربية ، حالت دون التئام هذه القمة التي كان المجتمع المدني ضمن الأطراف المؤثثة للمؤتمر، وكانت ستكون سابقة في تاريخ انعقاد قمم الاتحاد على الرغم من قلتها .

تغير القادة ،وتغيرت معهم الزعامات السياسية ، و تغيرت معها ، كذلك، أساليب تدبير الحكم في الدول المغاربية التي شهدت ثورات شعبية ، إما طاحنة او سلمية ، حيث لعبت دورا كبيرا في توجيه بوصلة تدبير الشأن العام ببلدان هذه المنطقة من شمال غرب إفريقيا ، سعيا إلى خلق فضاء للتعاون والتكامل والتضامن وتبادل الخبرات في أفق خلق قوة اقتصادية مغاربية كبرى، تشبع كل رغبات شعوبها في الشغل والتعليم والصحة ، مما يمكنها من العيش في ظروف تنعم فيها بحياة كريمة، تتوفر فيها كل شروط المواطنة الحقة، من حرية وكرامة وتنمية، دون ميز أو حيف بين فلان أو علان .

ما فتئت الشعوب المغاربية تضغط في تجاه فتح الحدود وتطبيع العلاقة البينية بين دول المنطقة، بناء على استراتيجية مصلحية شمولية، تخلق الثروة وتعزز كرامة الانسان المغاربي، وتوحد الرؤية الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية لصناع القرار بهذه الدول ، في مواجهة كل التكتلات الجهوية القوية التي أصبحت تفرض في تعاملاتها الاقتصادية والتجارية مع المنطقة المغاربية ضرورة التكتل تفرض مصلحة كل الأطراف، ومن مصلحة شعوب المنطقة المغاربية، خصوصا في ظل العولمة التي لم تعد ترحم التعامل مع كل دولة على حدة ، حيث تكون هذه الأخير ة هي الخاسرة بالأساس. إلا أن شعوب المنطقة المغاربية، يؤرقها اليوم ، أكثر من أي وقت مضى، وفي ظل ما يشهده العالم من تسارع في الأحداث وغزو تكنولوجي فظيع ، حول العالم إلى قرية صغيرة جدا. يؤرق هذه الشعوب المغلوب على أمرها ، كيف السبيل والحال هذه الى قيام مشروع مغاربي حضاري جديد في الألفية الثالثة ، من شأنه تمكين المغرب الكبير من التأقلم مع متطلبات المرحلة، وضروراتها المحلية والإقليمية والدولية، وتجاوز كل المعوقات ، رفعا للتحديات المرحلية التي قد تكون سببا رئيسا في تعطل مسار سفينة الاتحاد المغاربي على مدى ربع قرن. فما هي هذه القضايا الكبرى التي تقف دون تمكين هذا الفضاء المغاربي من الوحدة وممارسة حياته بشكل طبيعي، ما دامت كل العناصر المكونة له متكاملة ومتشابهة وأساسية في العيش، وفي التساكن، والتراحم، و في ممارسة مختلف الأنشطة التجارية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية والسياحية؟. فشعوب المنطقة المغاربية يدينون بالدين الاسلامي السمح، ويتكلون اللغة العربية ، ويجتمعون حول المذهب المالكي، ويتقاسمون العديد من الطبائع والعادات والتقاليد التي تمتحها هذه الشعوب من حضارتها الاسلامية والعربية والأمازيغية وباقي الاثنيات التي تشكل فسيفساء هذا المجتمع المغاربي في الغرب الاسلامي، وجل هذه العناصر لا تتوفر في تكتلات جهوية أخرى، وبالرغم من ذلك، استطاعت أن تبني لها وحدة جهوية جد متماسكة وجد قوية مبنية على المصلحة المشتركة.

إذن ، إذا كان ما اصطنعه حكام الجزائر من قضايا كيدية أرهقت الشعب الجزائري أكثر منه المغربي من خلال تهريب المغاربة الصحراويين إلى تندوف، وتكوين عصابة تتحكم في رقاب إخواننا الصحراويين هناك، والاستمرار على مدى أربعة عقود في شراء ذمم الدول الضعيفة والمنظمات غير الحكومية والحكومية من أجل دعم فكرة ""تقرير المصير" لهؤلاء المحتجزين، فإنها ، أخطأت، أولا بوصلة التاريخ، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وأبدت سخاء كبيرا مع كل هؤلاء الذي يسترزقون بالمحتجزين، من خلال توزيع أمول النفظ والغاز عليهم، وبذلك أخطأت، مرة أخرى، خطأ جسيما في حق الشعب الجزائري الشقيق الذي ضحى بالمليون شهيد وإلى جانبه دعم كبير وسخي من طرف الشعب المغربي من أجل الاستقلال ونيل الحرية والكرامة والتنمية للشعب الجزائري، إلا أن هؤلاء الحكام لم يصنعوا هذه التنمية والحرية والاغتناء ،إلا لأنفسهم وذويهم، وتركوا الشعب الجزائري يعيش شظف العيش ، ولم ينعم بما ضحى من أجله بآبائه وأجداده، كي تكون الجزائر قوية بكل أبنائها وبتعاضد جيرانها وأشقائها المغاربة ، وفي تكامل شامل معهم.

إذا كانت قضية الصحراء المغربية التي أكد ت محكمة لاهاي الدولية يشرعية انتماءها إلى المملكة المغربية، و اعترفت أغلبية الدول الكبرى ضمنيا بمغربيتها، وتراجعت العديد من الدول والمنظمات الغير حكومية عن اعترافها بالبوليساريو، وهو ما يلاحظه المتتبع للشأن المغربي بعد إقدام العديد من الدول، خصوصا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على الاستثمار في الأقاليم الجنوبية ودعم المجالات التنموية بالمنطقة باعتبارها أرض مغربية. وإذا كان حكام الجزائر ، انفسهم يعرفون جيدا، أن المغرب لن يفرط في صحرائه، وأنه انتصر للتنمية في المغرب من طنجة إلى الكويرة، وانتصر كذلك، لإعمال الحكمة والرزانة في تعامله مع كل التحاملات المخابراتية الجزائرية الهجومية وغير المنطقية مع المغرب من خلال معاكسته لقضاياه الوطنية الكبرى، إذا كان كل هذا يحصل وبشكل واضح ومستمر، فماذا يريد حكام الجزائر، إذن؟ سوى الانتصار لتخريب سفينة الاتحاد المغاربي، مهما كلفها ذلك من جهد وهدر لمال الشعب الجزائري الشقيق؟؟. ما يستنتج، أن دولة الجزائر لا تريد تطبيع العلاقات، وبذلك لا تريد فتح الحدود. والحلّ يكمن في استنهاض همم "مغرب الشعوب" من أجل توحيد الرؤية والهدف، سعيا إلى الضغط أكثر على حكام الدول المغاربية الخمس، وبالأخص، حكام الجزائر من أجل فتح الحدود لتيسير مهمة التنقل والتجوال بين الشعوب المغاربية الخمس، وتلافي كل القضايا العالقة بين البلدين أو حتى ما بين باقي دول المنطقة الأخرى، والانكباب ، رأسا على تقوية سفينة اتحاد المغرب الكبير ، وبالتالي، مع ضمان السير العادي لهذا التكتل الجهوي المغاربي، ستذاب كل الخلافات بالحوار والحوار البناء فقط. وهو ما يشكل عقبة أمامه الآن، بالرغم من توفره على كل عناصر النجاح ، إلا عنصر الإرادة لدى بعض الأطراف المتخندقة في حساسيات وحسابات سياسية، لم تعد لها الشرعية التاريخية والوجودية في عصرنا المعاصر.

منبر

عبد السلام العزوزي
باحث في قضايا شؤون المغرب الكبير
عبد السلام العزوزي