يدرك الجميع بأن اعتقال أنوزلا ومتابعته بتهم ملفقة إنما يدخلان في باب الانتقام السلطوي الرامي إلى تصفية حسابات سابقة، تهمّ النهج التحريري وكذا الاختيار الأساسي لموقع "لكم" بشكل عام ولكتابات أنوزلا بشكل خاص، والتي يُميزها على العموم نزوع نقدي قوي، ليس لبعض المظاهر الخارجية للحياة السياسية، بل لروح النسق السياسي المغربي ولآلياته الاستبدادية، وهو نوع النقد الذي يُبين بأنّه لا شيء تغير في العُمق، وإن كانت بعض المظاهر الشكلية للحياة السياسية قد طالتها بعض لمسات الماكياج الرسمي.
في بلادنا لا يقبل النظام أن يُنتقد في جوهره وأسسه وثوابته التي هي هويته في التاريخ، ولكنه يقبل وينشرح صدره لنقد الحكومات المتعاقبة، التي ليست سوى ملهاة يعرضها للواجهة الخارجية، تتلهى بها العقول الصغيرة.
ليس ثمة ما يُسعد النظام ويُبهجه أكثر من أن ينشغل الناس بحياة الوزراء وشجاراتهم وهفواتهم، وبملاسنات شباط وبنكيران، ومساومات بنكيران ومزوار، وبالخرجات الإعلامية لوزير الاتصال التي أصبحت تثير القرف والامتعاض، بل إنها بسبب وقاحتها واستهانتها بمشاعر الناس أصبحت وصمة عار في جبين هذه التجربة بكاملها.
يحرص النظام على وجود "الإجماع" حول "الثوابت"، هذا الإجماع الذي هو الأساس العقدي للاستبداد الديني والسياسي والاجتماعي منذ قرون طويلة، سواء في المشرق أو في المغرب، ولهذا ترى الأحزاب السياسية تتسابق في ظل "الإجماع" إلى إدانة أنوزلا والتبرأ منه، لأن ذلك ما يضمن لها دفء السلطة ويجنبها سخط "المخزن" وغضبه، وهي لا تزيد عن تأكيد سوء الظن بها، أنها ليست في مستوى مسئوليتها التاريخية ولا قادرة على إنجاح الانتقال الفعلي نحو الديمقراطية.
يعني "الإجماع" أن نرى جميعا الأشياء من جانب واحد وبلون واحد ونظرة واحدة وبنفس المشاعر والروح ولنفس الغاية، ويعني الخروج عن "الإجماع" أن يكون لك رأي حقا، أن تكون قادرا على الشك والاختلاف والنقد والمساءلة وكشف التناقضات والأخطاء والإدانة عند الضرورة.
ليس أنوزلا "إرهابيا" إلا بمقدار إزعاجه لذوي القرار الماسكين بمفاتيح الغيب وخزائن الأحلام المهيضة، إنه في الحقيقة واحد من ضحايا إرهاب السلطة. يُعاقب أنوزلا ويُضطهد لأنه يقول جهارا ما يعتقده الأغلبية في قرارة أنفسهم، وإن كانوا يفضلون التحفظ أو المراوغة أو اعتماد المجازات وأشكال الكناية والاستعارة، أو فقط لغة الخشب المقيتة التي تزيد الواقع قبحا وانحطاطا.
قد تطول محنة أنوزلا وقد تنفرج بعد حين مثلما انفرجت غيرها من المحن، لكن ذلك يتوقف على حسابات السلطة وعلى مدى حضور القوى المؤمنة بالمستقبل، فالواقعة تساءلنا جميعا وتدعونا إلى التكتل واليقظة.
أن نكون بجانب الحق، يعني أن نساهم بتضحياتنا في صنع واقع جديد أكثر إنسانية.