في أواخر السبعينات، ظهرت دعوات في صفوف الجيش المغربي لقصف مواقع البوليساريو داخل الأراضي الجزائرية، بحسب ما تشير إليه وثيقة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية يعود تاريخها إلى 30 يونيو 1978، رفعت عنها السرية في 20 دجنبر 2016.
وجاءت هذه الدعوات، بعد إرسال الجزائر العديد من جنودها إلى تندوف، وكذا نشرها طائرات مقاتلة من طراز ميج-15 وميج-17 في مطار المدينة، وجاء في وثيقة الوكالة الأمريكية "ظهرت تقارير عرضية تشير إلى مشاعر قوية داخل المؤسسة العسكرية المغربية تدعو إلى توجيه ضربات مباشرة ضد ملاذات جبهة البوليساريو في الجزائر، حتى مع خطر الحرب".
الوثيقة ذاتها قالت إنه خلال "الأشهر القليلة الماضية، شارك الجيش المغربي في عمليات تمشيط واسعة النطاق، مستخدماً وحدات أصغر حجماً للقيام بدوريات، وتأسيس سرايا من الصحراويين الأصليين، والمشاركة في عمليات بحث وتدمير منسقة".
وأضافت أنه رغم أن هذه التكتيكات لم تنجح في تحديد جيوب حرب العصابات والقضاء عليها، فإنها قللت من خطر تعرض المجموعات الكبيرة من القوات المغربية لهجمات البوليساريو، وأشارت إلى وجود "مؤشرات على أن الدوريات المغربية التي تنتحل صفة القوات غير النظامية قد عبرت الحدود الجزائرية، ربما بقصد زرع الألغام في الطرق التي تستخدمها جبهة البوليساريو للتسلل إلى المغرب".
وحذرت الوثيقة من أن هذا التكتيك، إذا ما تم استخدامه بانتظام، من شأنه أن يزيد من إمكانية استدراج رد عسكري جزائري. "ولكن الجزائر لم ترد حتى الآن لفظياً أو عسكرياً، مما يشير إلى أن المغاربة يتجنبون بعناية الاختراقات العميقة أو المواجهات المباشرة".
الحسن لثاني يرفض توسيع رقعة الحرب
وفي تحليلها قالت، وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، إن الحسن الثاني، لن يصغي للأصوات المطالبة بالتدخل عسكريا داخل الجزائر، لأن ذلك قد يؤدي في حالة الهزيمة إلى "خسارة عرشه"، وبالإضافة إلى ذلك، لأن الحسن الثاني وكبار مستشاريه يدركون أن التحرك العسكري العلني في الجزائر من شأنه أن "يقوض الدعم الدبلوماسي الذي عملت المغرب بجهد لتحقيقه في المحافل الدولية وخاصة في العالم العربي".
وفيما يخص الجزائر قالت الوثيقة إن حكام البلاد يرددون بأنهم لا يطالبون بالصحراء الغربية، لذلك سيكون من "الصعب تبرير بدء الأعمال العدائية مع المغرب في الداخل والخارج"، ولكن الجزائريين "سوف يردون إذا ما استفزهم المغاربة بغارات عسكرية تقليدية".
كما تحدثت الوثيقة عن وجود اعتبارات داخلية تتعارض مع رغبة بومدين في دفع النزاع مع المغرب إلى حد المواجهة العسكرية المفتوحة. "فقد انتقد بعض مستشاريه الرئيسيين تعامله مع مشكلة الصحراء، ومن المؤكد أنهم سوف يعارضون العمل العسكري المباشر ضد المغرب"، فضلاً عن ذلك "فمن غير المرجح أن يكون لدى العديد من الجنود الجزائريين ميل كبير إلى لعب دور مهيمن في صراع لا يعتبرونه صراعهم الخاص".
وأكدت الوكالة أنه على الرغم من أن الجزائر، الراعي الرئيسي للجبهة، ملتزمة بدعم البوليساريو سياسياً وتوفير الأسلحة والمواد والتدريب الكافي للحفاظ على نشاط حرب العصابات، "إلا أنه لم يكن هناك ما يشير إلى أن الوحدات العسكرية الجزائرية شاركت في نشاط البوليساريو خارج الجزائر منذ الاشتباكات حول أمغالا في أوائل عام 1976".
سيناريو المواجهة العسكرية
وقدمت الوثيقة قراءة لمسار المواجهات في حال نشوب حرب بين البلدين، ورأت أن التضاريس الوعرة ستحول دون انتصار أي طرف، وأشارت إلى التكلفة الاقتصادية الكبيرة في حال طالت الحرب.
وبخصوص الجيش الجزائري، قالت الوثيقة إنه في منطقة الحدود الشمالية المغربية-الجزائرية "لا يوجد سوى طريق واحد ملائم للوصول إلى المغرب"، فالقوات الجزائرية التي تتقدم عبر منطقة وجدة تستطيع أن تتحرك بحرية نسبية حتى مدينة تازة؛ ولكن إلى الغرب من تازة تصبح التضاريس أكثر وعورة، حيث تعوق حركة القوات التلال الشديدة الانحدار والمنحدرات الجبلية والوديان الضيقة، بحسب الوثيقة.
كما أنه في السهول المتموجة والمناطق الجبلية المتناثرة جنوب وجدة، لا توجد طرق رئيسية للتقدم من الجزائر إلى المواقع الاستراتيجية المغربية، وأضافت أن "التحرك غربًا يتطلب عبور سلسلة جبال الأطلس الوعرة. الطرق عبر المنطقة ضيقة ومتعرجة، وسوف تقتصر القوات على طريق واحد يمكن اعتراضه بسهولة".
بالمقابل، وبخصوص الجيش المغربي، تشير الوثيقة إلى أن "المناطق الاستراتيجية في الجزائر أقرب كثيرًا إلى الحدود من المناطق الاستراتيجية في المغرب"، ولكن رغم ذلك فالقوات المغربية "سوف تضطر إلى التحرك عبر تضاريس صعبة للوصول إما إلى ميناء وهران التجاري أو مصنع الغاز الطبيعي المسال في أرزيو".
وفي الجهة المقابلة لتندوف لن تواجه حركة الجنود المغاربة عقبات كبيرة لمسافة محدودة. "ومع ذلك، فإن الحركة داخل وخارج هذه المنطقة سوف تعوقها التضاريس الوعرة المجاورة، وخاصة على الجانب المغربي". وتوفر المنطقة بحسب المصدر ذاته "القليل من التخفي عن المراقبة الجوية"، كما أنه "من شأن شبكات النقل والإمداد الرديئة أن تعوق إعادة إمداد القوات المغربية والجزائرية".