اعتادت الجدات في وقت النوم في جبال الأطلس أن يحكين لأحفادهن قصة "لونجا"، التي تروي حكاية الفتاة الصغيرة التعيسة التي تبنتها غولة، وسعي أخيها غير الشقيق لإنقاذها. تجمع القصة بين عالمين: أرض الغيلان وأرض البشر، ومجتمعين: مجتمع أمومي قديم، ومجتمع حديث يهيمن عليه الذكور.
تُروى قصة لونجا، وهي حكاية شعبية باللغة الأمازيغية، في جميع أنحاء المغرب العربي مع بعض الاختلافات في المغرب والجزائر، مما يعكس تاريخ المنطقة.
في المغرب، ولا سيما في قبيلة آيت وارين، تسرد الحكاية تفاصيل سعي الأخ غير الشقيق للونجا لإنقاذها من الغيلان متبعًا تعليماتها الحكيمة والبارعة. وهي النسخة التي جمعها مايكل بيرون، المتخصص في اللغة والأدب والثقافة البربرية.
لونجا ووالدتها
في كتابه المعنون بـ "حالة غير عادية من البحث عن العروس: حكاية ’لونجا‘ المغاربية ومكانتها في التراث الشعبي العالمي"، يروي بيرون قصة ساكن خيمة له زوجتان، إحداهما أم لونجا، ونظرا لكره زوجة أبيها لها والتي كانت تفضل طفلها الرضيعة، فضلت تركها عند مغادرة عائلتها.
ولحسن الحظ، أنقذت غولة، لونجا، وأخذتها إلى عرينها وتبنتها وربتها لتصبح أجمل الفتيات. كانت لونجا ذات شعر طويل داكن اللون، وكانت تتدلى من الجرف لتساعد الغولة في العودة إلى عرينها بعد الصيد.
عاشت لونجا مع الوحش وأجبرت على مناداتها بأمي. وذات يوم، علمت من أحد الخدم أن أخاها جاء لإنقاذها. وهكذا بدأت رحلة أخيها المغامرة إلى أرض الغول لإنقاذ أخته.
وكما هو الحال في العديد من الرحلات الشبيهة بالمهام، التقى بامرأة عجوز حكيمة أرشدته إلى كيفية دخول أرض الغول بأمان، وقالت له "للوصول إلى أرض الغول، عليك أن تعبر سبعة أنهار. كان كل نهر يقع تحت حراسة غول".
ونصحت العجوز الأخ، بأن يخاطب كل غول بلطف ويثني على طعامه ليضمن المرور الآمن. واتباعًا لتعليماتها الحكيمة، وصل البطل إلى أرض الوحوش والتقى خادمة أوصلت رسالته إلى لونجا بينما كانت الغولة في الخارج تصطاد. أحضر الرسول خاتمًا من أخيها إلى لونجا، مذكّرًا إياها به وبطفولتها وذكريات عائلتها المفقودة منذ زمن بعيد.
قامت لونجا بعد ذلك بحركة تشبه حركة "رابونزيل"، حيث علقت شعرها الطويل على الجرف ليصعد أخوها إلى منزل الغولة. وعندما عادت الغولة شمّت رائحة اللحم البشري واكتشفت الأخ. ثم شرع في مسعى آخر لإخراج أخته.
وبحسب الكاتب الفرنسي، فـ "سرعان ما اشتعلت كومة ضخمة من الحطب، وبينما تخطت لونجا العقبة بسهولة، سقطت الغولة وسط النار في قفزتها الأولى"
الفرار من الغول
ثم كشف الأخ عن نفسه وصعد على حصانه وأمسك لونجا والفتاة الخادمة وهرب من عرين الغولة. وبالرغم من مطاردة الغولة لهم والتي لم تمت في الحريق، إلا أنهم أفلتوا من قبضتها. فعند وصولهم إلى نهر هائج، رددت لونجا عبارة خاصة جففت مجرى النهر لفترة كافية ليعبروا بأمان.
عند وصول الغولة لم تستطع عبور النهر وطلبت المساعدة من لونجا. وبذكائها، جعلتها تعتقد أن أكل النخاع من عظام ساقها لاكتساب القوة سيساعدها على عبور النهر. وهو ما قامت به وغرقت في نهاية المطاف.
بعد ذلك، قتل البطل الفتاة الخادمة ونزع عنها ثيابها المصنوعة من جلد الحيوان وألبسها أخته. وبينما كانا على وشك العودة إلى المنزل، هاجمهما نسر عملاق، هربت لونجا، لكنه ابتلع أخاها مع حصانه وبندقيته.
ومن داخل معدة النسر، سُمع البطل وهو يقول لأخته ألا تبكي بل أن تبحث عن أمهما التي كانت قريبة مع إبلها. وأمرها أن تخبر والدهما أن يذبح ثورًا أسود على قمة أقرب تلة لإنقاذه. وعلى الرغم من أن الطلب جاء من خادمة ترتدي جلود الحيوانات، وبالتالي لم يحظى باحترام كبير، إلا أن الأب نفذ التعليمات على مضض.
جذب الثور المضحى به انتباه ملك الطيور الذي ابتلع الشاب. دعا ملك الطيور جميع الطيور الصغرى إلى وليمة على جثة الثور. وبمجرد أن بدأت الوليمة، أكل ملك الطيور الكثير لدرجة أنه لم يستطع الطيران. ثم طالب والد الشاب بعودة ابنه، مهددًا بقتل ملك الطيور إذا رفض. ثم أعاد الطائر المتوحش الشاب.
استُقبل الشاب بسعادة في البيت، لكن الفرحة لم تدم طويلاً عندما أعلن أنه يريد الزواج من الفتاة الخادمة التي ترتدي جلود الحيوانات. متجاهلاً محاولات ثنيه عن ذلك، استعد للزفاف، وانتهت القصة بزواج البطل من أخته غير الشقيقة لونجا.
من مجتمع أمومي إلى مجتمع يهيمن عليه الذكور
في نسخ حديثة أخرى من الحكاية، مثل النسخة الطنجاوية، لا توجد علاقة بين لونجا والبطل لتجنب الوقوع في فكرة زنى المحارم. وتطلق نسخ أخرى على "لونجا" اسم "هينة"، خاصةً نسخة قبيلة إيمفدواق. كما أنها تتضمن تفاصيل مختلفة مثل اختطافها من قبل غول ذكر وتنكرها في زي كلب سلوقي، مع ابتلاع غراب للبطل بدلًا من نسر.
في نسختي وجدة وبني زناسن، عائلة "لونجا" تنتمي للبدو الرحل الذين يسكنون الخيام، ولكن لديهم أيضًا حقل فاصوليا. وتوضح الباحثة أن فكرة حقل الفاصوليا تعمل كمحفز، مما يجعل البدو الرحل على اتصال مباشر مع النسر.
أما في الجزائر، فتبدأ الحكاية من منطقة القبائل برجلين يصطادان في الشتاء، ويرغب أحدهما في الزواج من امرأة ذات بشرة بيضاء كالثلج وشفتين حمراوين كالدم. أما الثاني فيخبره عن ابنة العجوز التي تمتلك مثل هذه الصفات.
وتصور روايات جزائرية أخرى "لونجا" على أنها امرأة جميلة تشبه البشر، تجذب الرجال والأمراء والملوك، ولكنها تلتهمهم لتبقى وفية لطبيعتها الوحشية.
بالنسبة لبيرون، تعكس القصة بتنويعاتها، وخاصة قصة آيت وارين، التحول من المجتمعات الأمومية القديمة التي كانت تعبد الآلهة الأم، إلى الثقافات الأبوية التي تؤكد على هيمنة الذكور. تُظهر الشخصيات النسائية في القصة مهارات اتخاذ القرار والقوة والحكمة، خاصةً المرأة العجوز التي تساعد البطل في سعيه.
في محاولتها الفرار من الوحش، استخدمت لونجا ذكاءها لتأمين هروبها مع أخيها. ويوضح الباحث الفرنسي أن الشخصية الرئيسية في القصة هي فتاة، في حين أن "الغالبية العظمى من الحكايات التي أنتجتها البيئة الاجتماعية والثقافية المغاربية يكون بطلها فتى أو رجل".
وأضاف مايكل بيرون أن "لونجا لم تكتف بكونها البطلة، بل إنها تأخذ زمام المبادرة حتى في حضور البطل، لا سيما عندما تدبر هروبهما من كهف الغول. هذا التركيز على هيمنة الأنثى يوحي بأصل قديم جدًا، وربما ما قبل التاريخ لهذه الحكاية"