القائمة

أخبار

دياسبو #397: تمسك بالكمان وتُحرّك الميكسر... لميس أمية تكسر قواعد الأداء التقليدي

‎من فاس العتيقة إلى دبي المعاصرة ثم إلى الهند حيث تقيم حاليا، تشق لمياء السلاسي، أو كما يعرفها جمهورها: لميس أمية Lamiss Amya، طريقها الخاص في عالم الموسيقى. تمسك بالكمان بيد، وبالميكسر باليد الأخرى، وتدمج بين جذور الشرق وإيقاعات العصر، لتحكي سيرة أنثى مغربية اختارت أن تكتب حضورها بالموسيقى.

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

كلما وقفت خلف الميكسر، تسأل نفسها: كيف أجمع هذا كله؟ كيف أضع المغرب، والكمان، والتكنو، والطفلة الحالمة بداخلي، في لحظة واحدة؟ ثم تبتسم وتبدأ… تضغط زرا، تسحب موجة، تدخل نغمة كمان حي، وتنطلق الرحلة. الجمهور لا يعرف أنها لا تؤدي فقط، بل تروي ذاتها، بكل ما فيها من جذور، وتمرّد، وحرية.

الطفلة التي اختارت الكمان من النظرة الأولى

بدأ كل شيء مبكرا جدا، كانت لمياء لا تزال في السادسة من عمرها عندما اكتشفت والدتها انجذابها الغريب نحو الأصوات والألحان، "كان لدى والدتي حدس بأن الموسيقى جزء مني"ما دفعها إلى اصطحاب طفلتها إلى المكان المناسب لصقل موهبتها واكتشاف ذاتها: المعهد الموسيقي، في أول يوم هناك استمعت لمياء إلى عدة آلات: البيانو، الغيتار، العود، الناي... لكن عندما انساب صوت الكمان في الأرجاء، حدث ما يشبه السحر. "ذلك الصوت لمسني بعمق. وقعت في حب هذه الآلة، ومنذ ذلك اليوم لم أفترق عنها." تتذكر خلال حديثها مع يابلادي.

بدأت رحلتها مع الموسيقى الكلاسيكية، حيث كان الكمان وسيلتها الأولى للتعبير، واللغة التي استوعبت بها مشاعرها قبل أن تنطقها الكلمات. وقالت "كانت طريقة لتفريغ مشاعري والتعبير عن نفسي دون كلمات. أصبح الكمان لغتي الأولى".

ترعرعت لمياء في مدينة فاس، مسقط رأسها، على حب الموسيقى، وواصلت مسيرتها الفنية إلى أن تلقت تكوينا أكاديميً تُوّج بالحصول على ميدالية في الصولفيج وآلة الكمان. وبموازاة ذلك، تابعت دراستها الجامعية في القانون والتواصل، قبل أن تنال درجة الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية. مزيج يعكس عقلا حادا وروحا حالمة

لكن الانضباط الكلاسيكي وحده لم يكن كافيا، بعد تعرفت على الموسيقى الالكترونية "هذا النوع من الموسيقى منحني حرية جديدة في التعبير. أردتُ أن أخلق جسرا بين التقليد والحداثة، بين صوت الكمان، الذي أعتبره آلة روحية، والخلفيات الإلكترونية." هكذا، ولدت لميس أمية (اسمها الفني): مشروع فني جسور، يمزج بين التكنو، والكلاسيكي، والشرقي.

امرأة في مشهد موسيقي يهيمن عليه الذكور

الطريق لم يكن سهلا، ففي عالم يهيمن عليه الذكور، اضطرت لميس التي استقرت منذ 5 سنوات في مومباي (الهند)، لإثبات ذاتها "مرتين"، كما تقول. وأوضحت قائلة "يجب أن تثبتي نفسك تقنيا وفنيا، وأيضا أن تحافظي على ثقتك بنفسك رغم الأحكام المسبقة." لكنها تعلمت أن تحوّل هذه التحديات إلى قوة: أن تفرض رؤيتها دون مساومة، وأن تحافظ على وفائها لهويتها الهجينة. وقالت "تعلمت أن أتمسك برؤيتي دون أن أتأثر بالصور النمطية".

في رصيدها اليوم ألبوم واحد، وآخر قيد التحضير. ألبومها الثاني، كما تقول، سيكون مزيجا بين التكنو اللحنية، والكمان الحي، والتأثيرات الشرقية. وتعمل على تصوير كليبات في المغرب، والهند، والإمارات، بهدف اصطحاب الجمهور في رحلة بصرية لا تقل ثراء عن الرحلة الموسيقية. تحيي لميس الحفلات، لكنها تجد شغفها الحقيقي في المهرجانات.

"هناك حيث يرتفع الأدرينالين، وتصبح الطاقة كهربائية، تكاد تكون سحرية... أن تشعري بتلك الموجة من المشاعر الجماعية؛ هو امتياز، هدية، نعمة أعيشها بكل جوارحي. أن أكون أمام جمهور كبير، وأشعر بكل اهتزاز وصيحة وحركة… إنها إحساس لا يوصف. لا يوجد ما هو أقوى من الاتصال مع مئات أو آلاف الأشخاص عبر الموسيقى. رؤية الوجوه تضيء، والأجساد ترقص، والإحساس بموجة من المشاعر الجماعية... إنه امتياز ونعمة أعيشها بكل كياني في كل عرض"

لميس أمية

تستلهم لميس من رموز الموسيقى الإلكترونية العالمية مثل دافيد غيتا، تيستو، Solomun، Artbat، Anyma، لكن جذورها المغربية تبقى دائما حاضرة. "تبقى الأصوات التقليدية المغربية، كإيقاعات كناوة والموسيقى الأندلسية، ركادة، مصدر إلهام أساسي في مسيرتي." وهي تحلم بالتعاون مع موسيقيي في فن كناوة.

نصيحة إلى الجيل الجديد: اشتغلي على نفسك، لا على رضا الآخرين

وراء الفنانة، تقف امرأة حالمة، شغوفة بالثقافة، والروحانيات، والسفر. "الموسيقى هي ملاذي، لكنني أحب أيضا الكتابة، واكتشاف أماكن جديدة، ومقابلة أرواح قوية." وقالت "موسيقاي هي مرآة لمسيرتي. أنا امرأة مغربية، عازفة كمان ودي جي إلكترونية، وكل هذه العناصر تمتزج بشكل طبيعي. الأصوات المغربية، الأندلسية، وأحيانا الهندية، هي تحية لأصولي وأسفاري".

وراء كل هذا الدعم، تذكر لمياء والدها الراحل، رجل السلطة ذو الروح الشاعرية "أغتنم هذه الفرصة لأكرمه، لأني أفكر فيه كثيرا من خلال موسيقاي." أما والدتها، فهي ركيزة يومية ما زالت تساندها بكل حب وقوة. لكن الدور الأساسي في بداياتها كان لأختها الصغرى: "بفضلها أحمل اليوم اسم 'لميس' كاسم فني. آمنت بي منذ البداية، هي من التقطت أول صوري كعازفة كمان… إنها جزء من كل مرحلة من هذه المغامرة."

إلى جانب فنها، تترأس لميس منذ أكثر من 15 سنة الجمعية المغربية لتنمية المواهب الشابة، ومقرها المحمدية، كما تدير وكالة لتنظيم التظاهرات الثقافية. أدوارها تلك تبقيها قريبة من المشهد الثقافي، ومن دعم الفنانين الشباب، الذين ترى فيهم مرايا لبداياتها.

ولمن ترغب اليوم في السير على خطى لميس، فهي لا تتردد في تمرير الشعلة. وقالت "أن تؤمن بنفسها، حتى عندما لا يؤمن بها أحد في البداية... لكن قبل كل شيء، أن تبقى وفية لهويتها، لأنها ما يجعلها فريدة، وما سيحدث الفرق. أنصح كل فتاة بالعمل بجد، والمثابرة على التدريب، والتحلي بالصبر. طريق الموسيقى ليس سهلاً دائما، لكن الشغف والثقة بالنفس يفتحان كل الأبواب".

آخر تحديث للمقال : 12/07/2025 على 22h26

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال