منذ تأسيسها، كانت جبهة البوليساريو تعلم أنه ليس بإمكانها ربط علاقات مع دول أو منظمات خارجية دون موافقة الجزائر، وهو ما جعلها تتحفظ على ربط علاقات مع الاتحاد السوفياتي، الذي كان يعتبر قوة عظمى.
وأشارت وثيقة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتاريخ 1 أبريل 1983، رفعت عنها السرية في يوليوز 2011، إلى أن الجزائر كانت "تسيطر على العلاقة بين ليبيا وجبهة البوليساريو"، وأضافت الوكالة أن الجزائر "لن تسمح بالتعاون الذي من شأنه أن يضر بأي شكل من الأشكال بالمصالح الجزائرية. ويشمل ذلك على حقوق عبور الأسلحة الليبية المتجهة إلى جبهة البوليساريو والمطالبة بأشكال أخرى من المساعدة الليبية للمتمردين وعائلاتهم للمرور عبر نقاط التفتيش الجزائرية".
ووصفت الوثيقة ليبيا بـ"الراعي الرئيسي الآخر لجبهة البوليساريو"، وأضافت أن طرابلس "قدمت معظم أنظمة الأسلحة الرئيسية لجبهة البوليساريو – المدرعات، وصواريخ SA-6، وقاذفات الصواريخ المتعددة – وربما تكون على استعداد لمواصلة دعم تحدي المتمردين".
ومع ذلك فإن البوليساريو لم تكن تنظر للقذافي باعتباره "حليفا موثوقا"، فمن "الواضح أن القذافي علق مساعداته للمتمردين لبعض الوقت كجزء من التقارب مع المغرب بهدف استعادة العلاقات الدبلوماسية وتأمين دعم الملك لقيادة القذافي لمنظمة الوحدة الأفريقية. ولم يدم الاتفاق بين البلدين طويلا، واستأنف الليبيون مساعدة البوليساريو"، وهو ما جعل الانفصاليون يعتقدون أن الجزائر هي "المتبرع الرئيسي" و"الوحيدة القادرة على توفير ملاذ آمن مستدام ودعم لوجستي".
الاتحاد السوفياتي وكوبا
وتؤكد الوثيقة أن الاتحاد السوفياتي قام "بمبادرات تجاه جبهة البوليساريو من خلال تقديم المساعدة المباشرة، بما في ذلك الأسلحة". لكن الانفصاليين كانوا "مترددين في إقامة علاقة مباشرة مع موسكو خوفا من أن يعرض ذلك للخطر العلاقة البالغة الأهمية مع الجزائريين، الذين يريدون تجنب تدويل النزاع".
وكانت الجزائر ترغب آنذاك حسب الوثيقة "في تقليل اعتمادها على الاتحاد السوفياتي وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة"، كما أنها كانت متخوفة من أن "الاستثمار السوفياتي في جبهة البوليساريو لن يؤدي إلا إلى الحصول على مساعدات أمريكية أكبر للمغرب ويمكن أن يدفع المغرب والجزائر إلى مواجهة مباشرة".
وأوضحت الوثيقة أن جبهة البوليساريو هددت "علناً بطلب المساعدة السوفياتية، لكنها مترددة بشأن المضي قدماً. وعلى الرغم من أننا نعتقد أن ذلك غير مرجح في هذه المرحلة، إلا أن جبهة البوليساريو قد تحسب في نهاية المطاف أن تدويل النزاع وقبول المساعدة السوفييتية هو السبيل الوحيد للنجاح"، غير أنها لن تقوم بذلك دون ضوء أخضر من الجزائر.
وواصلت الوثيقة أنه "على الرغم من أن جبهة البوليساريو رفضت معظم عروض المساعدة العسكرية المقدمة من كوبا، إلا أنها قبلت بعض المساعدة. _ لم نتمكن من تأكيد الاتهامات المغربية بأن أعدادا كبيرة من المستشارين الكوبيين عملوا مع جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية_ إن أي تصعيد كبير في المساعدات الكوبية للجبهة ستنظر إليه الجزائر بنفس الطريقة التي تنظر بها إلى العلاقات الوثيقة بين الاتحاد السوفييتي والبوليساريو، وبالتالي من شأنه أن يعرض جبهة البولياسريو لمخاطر مماثلة". وقالت الوكالة "لا نعتقد أن جبهة البوليساريو ستتحدى الجزائر".
وبخصوص موريتانيا تشير الوثيقة إلى أنها لم تقدم "أي مساعدة لجبهة البوليساريو، لكنها لم تتمكن من منع المتمردين من استخدام أراضيها. وعلى الرغم من تعاطف الرئيس هيداله مع قضية المتمردين، إلا أنه يريد البقاء خارج الصراع".
وخلصت الوثيقة إلى أنه "طالما ظل الجزائريون يفرضون رقابة مشددة نسبيا على جبهة البوليساريو، فمن غير المرجح أن يتمكن المتمردون من تحدي المغرب بشكل جدي بطرق قد تؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد في المدى القريب. علاوة على ذلك، يبدو أن الموقف الحالي للجزائر يضمن عدم تصاعد الصراع إلى حرب أوسع بين المغرب والجزائر أو اختبار جدي لعمق التزام الولايات المتحدة تجاه المغرب. إذا تغيرت سياسة الجزائر نتيجة لمشاكل داخلية أو تحول في القيادة، أو بسبب القلق بشأن التكتيكات المغربية العدوانية، فقد تصبح جبهة البوليساريو أداة مناسبة، سواء في السياق العسكري أو الدبلوماسي، لاستخدامها ضد المغرب".