ستصبح الفنانة الاستعراضية جوزيفين بيكر المولودة في ميزوري سنة 1906 والتي دفنت في موناكو بعد وفاتها سنة 1975 أول امرأة سوداء ترقد في "مقبرة العظماء" وسادس امرأة فيها بعد سيمون فيل في 2018.
وجاء نقلها إلى البانتيون بعد قرار من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد 46 عامًا على وفاتها في 12 أبريل 1975 عن عمر ناهز 68 عامًا.
وسبق لقصر الإليزيه أن ذكر في بيان في غشت بأن جوزيفين بيكر "فنانة (...) ذات شهرة عالمية، انخرطت في المقاومة"، وكانت "ناشطة لا تكلّ ضد العنصرية وشاركت في كل النضالات التي جمعت المواطنين ذوي النوايا الحسنة، في فرنسا وفي كل أنحاء العالم"، واصفاً إياها بأنها "تجسيد للروح الفرنسية".
وسبق للفنانة الراحلة أن تزوّجت مرتين في الخامسة عشرة ثم فرّت من عائلتها ملتحقة بفرقة للمسرحيات الشعبية الخفيفة (فودفيل). فلفتت نظر أحد المنتجين وانتقلت في التاسعة عشرة من العمر إلى باريس حيث اشتهرت في أوساط العروض الغنائية الاستعراضية المعروفة بـ "روفو نيغر" التي ساهمت في رواج الجاز وثقافة الأميركيين السود في فرنسا. وساهمت أول أغنية أدّتها بعنوان "لديّ حبّان، بلدي وباريس" عام 1930 في كازينو باريس في شهرتها.
جوزيفين بيكر في المغرب
مع بداية الحرب العالمية الثانية انضمت إلى فرقة مكافحة التجسس في المكتب الثاني لهيئة الأركان العامة الفرنسية، ومنذ خريف عام 1939 حتى ربيع عام 1940، أفادت أرشيفات الجيش الفرنسي بأن الفنانة الراحلة شاركت في حفلات موسيقية "للاستفادة من هذه الأحداث الاجتماعية لجمع المعلومات من أجل مكافحة التجسس".
وفي سنة 1940، احتل الألمان باريس، وغادرت فرنسا إلى إسبانيا والبرتغال لتستقر في المغرب، وفي يناير 1941 أنشأت مركز عمليات لمكافحة التجسس.
وفي يونيو 1941، عانت جوزفين بيكر من التهاب الصفاق الحاد الناجم عن إجهاض استدعى استئصال الرحم، ونقلت على وجه السرغة من مراكش إلى الدار البيضاء. وذكرت صحيفة لوموند أنه في عام 1944 قررت الاحتفاظ لعدة سنوات "بصفيحة بغل قدمته لها ممرضة في الدار البيضاء كتعويذة محظوظة حيث كان الناس يخشون على حياتها".
وخضعت لعمليات متعددة وبقيت في المستشفى 18 شهرًا، وبالموازاة مع ذلك تحدثت بعض الصحف الأمريكية عن وفاتها، بينما عملت على مواصلة أنشطتها التجسسية ضد النازيين، من خلال مقابلة دبلوماسيين أمريكيين ومقاتلين فرنسيين وقادة مغاربة من سريرها في المستشفى.
وكانت ترسل إلى قيادة قوات فرنسا الحرة في لندن تقارير مكتوبة بالحبر المخفي في مقطوعاتها الموسيقية.
عند رؤيتها من نافذتها في نوفمبر 1942 وصول القوات الأمريكية خلال "عملية الشعلة"، تم إعفاء المقاومة الفرنسية رسميًا من أنشطتها الاستخبارية المضادة، لكنها واصلت مهمتها من خلال اتباع القوات الأمريكية إلى القدس، مرورا بشمال إفريقيا عن طريق سيارة جيب.
ومن يناير 1943 إلى مايو 1944 ، استأنفت نشاطها الفني في خدمة الجيوش الفرنسية مع استمرار نشاطها الاستخباري. وفي يوم النصر في أوروبا، أي 8 ماي 1945 ، الذي يصادف اليوم الذي قبلت فيه قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، الاستسلام غير المشروط لقوات الجيش النازي ونهاية الرايخ الثالث لأدولف هتلر، ذهبت جوزفين إلى ألمانيا "لتغني مع السجناء والمبعدين الذين تم إطلاق سراحهم".
استمرار النضال
وبعد نهاية الحرب، تم تقليد الفنانة بميدالية المقاومة الفرنسية، ووسام جوقة الشرف، ولم تنس بعد ذلك محاربة العنصرية. وفي عام 1953، أبلغت الصحافة الفرنسية بخطتها لتبني خمسة أطفال يبلغون من العمر عامين، "اسكندنافي، وجنوب أفريقي، وياباني، وهندي، وإسرائيلي" ، مع الحرص على احترام "عادات ودين" كل واحد منهم.
وقالت لصحيفة لوموند "سأسعى لضمان احترام أكبر لآراء ومعتقدات الآخرين"، من خلال تقديم مثال هؤلاء الأطفال الذين يكبرون وفقًا لطبيعتهم. أريد أن أظهر للأشخاص السود أنه ليس كل البيض قساة وعنصريون. سأثبت أن البشر يمكن أن يحترموا بعضهم البعض إذا أتيحت لهم الفرصة ".
وتبنّت 12 ولدًا من كل أنحاء العالم، ترعرعوا في قصر بيكر في دوردونيه في جنوب غرب فرنسا. وظهرت أمام الحشود عام 1963 في واشنطن بعد خطاب مارتن لوثر كينغ التاريخي الذي قال فيه عبارته الشهيرة "لديّ حلم". واعتبرت أن هذه المسيرة من أجل الحقوق المدنية للسود الأميركيين كانت "أجمل يوم" في حياتها.
وقالت ابنتها ستيلينا المولودة في المغرب، والتي تعتبر آخر طفلة تبنتها، وتبلغ من العمر الآن 57 عامًا، لفرانس بلو. "كانت تستيقظ في الصباح الباكر، وترتدي الجلابة والعمامة كما أنني كنت أستيقظ مبكراً لأحظى بلحظة خاصة معها".
وتابعت "كانت أمًا تستمع إلينا كانت حريصة على التربية"، وهو ما جعل أطفالها متسامحين، مع الجميع.