بالتزامن مع انتخاب أول برلمان مغربي سنة 1963، أشرف الملك الحسن الثاني على أول درس من "الدروس الحسنية" الرمضانية، وارتبطت هذه الدروس وقتها برغبة القصر في الحد من المد اليساري والشيوعي في البلاد، فضلا عن إعادة الاعتبار لمكانة العلماء والفقهاء.
ومنذ ذلك الحين تميزت هذه الدروس، بحضور ثلة من العلماء المعروفين، والشخصيات البارزة من مختلف المرجعيات سواء الشيعية أو السنية...
أئمة شيعة في حضرة ملوك المغرب
ومن بين أشهر أئمة الشيعة الذين وجهت لهم الدعوة لحضور الدروس الحسنية، الزعيم السياسي والديني اللبناني البارز موسى الصدر.
ويعود الفضل للصدر في إنشاء "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" سنة 1967 الذي يعتبر المرجعية الرسمية لدى الطائفة الشيعية في لبنان إلى الآن، كما أنه أسس في سنة 1974 حركة أمل وهي حركة وحزب سياسي لبناني يعتبر ثاني أقوى تكتل شيعي سياسي في لبنان بعد حزب الله.
وكان الصدر يرتبط بعلاقات جيدة مع الملك الحسن الثاني، ففي حوار له قال حسين يتيم وهو من بين مؤسسي حركة أمل أيضا "أعرف ايضا أن الإمام الصدر كان على علاقة طيبة جدا بالعاهل المغربي الملك الحسن الثاني، وعلى علاقة وطيدة بسفير المغرب في لبنان أحمد بن سودة، حتى أنه توسط لي ذات يوم مع بن سودة الذي نُقل الى الديوان الملكي المغربي، لإدخال نجلي أحمد الى إحدى الجامعات المغربية".
وفي سنة 1968 ألقى الصدر محاضرة في جامعة القرويين بمدينة فاس بدعوة من الملك الحسن الثاني، وفي سنة 1978 عاد إلى المغرب بدعوة رسمية من أجل المشاركة في الدروس الحسنية الرمضانية.
غير أن التسامح الذي كان يجده الصدر في المغرب، لم يقابل به في دول عربية أخرى، إذ أنه تلقى دعوة في نفس السنة من الزعيم الليبي معمر القذافي لزيارته في طرابلس، وبعد وصوله إليها اختفى عن الأنظار ولا يزال مصيره مجهولا إلى الآن.
وفي شهر رمضان من سنة 2006 ألقى الشيخ الشيعي آية الله محمد علي التسخيري، درسا أمام الملك محمد السادس، في موضوع "حركة التقريب بين المذاهب، منطلقاتها وآفاقها المستقبلية"، دافع فيه عن ضرورة التقريب بين الأفكار، موضحا أن التقريب يشكل طريقا للوحدة، وأن التقريب في الفكر يساعد على توحيد الموقف العملي.
وتحدث رجل الدين الشيعي عن دور المغرب في التقريب بين المذاهب، خصوصا من خلال احتضانه لمقر منظمة "الإيسيسكو" التي جعلت من أهدافها التقريب بين المذاهب الإسلامية، وأعرب عن أمله في أن تسترجع العقلانية التي كانت سائدة بين المذاهب مكانتها اللائقة بها.
وإضافة إلى رجال الدين الشيعة، اعتلى منبر هذه الدروس عدد كبير من العلماء من مختلف التيارات والمشارب الفكرية، كالشيخ أبي الحسن الندوي من الهند، والشيخ محمد متولي الشعراوي من مصر، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي من سوريا، والشيخ محمد الحبيب بلخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة، والشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، والدكتور عصام البشير من السودان، والدكتور طه جابر العلواني من أمريكا...
حرية اختيار الموضوع
ولم تكن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تلزم الأشخاص الذين يلقون الدروس بموضوع درسهم ولا بالبروتوكول الذي يجب اتباعه، ففي مقال له يحكي رجل الدين المصري يوسف القرضاوي الذي يعتبره البعض الزعيم الروحي للإخوان المسلمين، والذي ألقى درسا أمام الملك الحسن الثاني سنة 1983 بعدما اختار موضوعه بنفسه، أنه تردد في البداية في قبول الدعوة لكون "هذه الدروس تلزم العلماء بطقوس معينة لا تتفق مع طبيعتي، مثل الانحناء، والمبالغة في الثناء والتعظيم للملك الذي يدعونه عادة بأمير المؤمنين".
غير أنه بعد إقناعه بالحضور أكد أنه ذهب "إلى قصر الملك، وحيَّيته وسلَّمت عليه من وقوف، ولم أضطر إلى أن أنحني، أو أخرج عن طبيعتي قيد أنملة، كما قد قيل لي من قبل. بل كان الرجل ودودًا بشوشًا مُرحَّبًا بي أكثر من غيري، ممن ألقوا دروسًا قبلي".
وأضاف القرضاوي أنه "ولانشغالي بالدرس أكثر من انشغالي بالملك، لم أفكر في الدعاء له في ختام حديثي. فقد تركت نفسي على سجيَّتها، وكأنما أنا في درس في أحد جوامع الدوحة. وفي ختام المجلس، صافحني الملك بحرارة، وقال لي: نريدك أن تكون معنا في الموسم القادم".
كما أكد الفقيه المقاصدي المغربي أحمد الريسوني، الذي يرأس حاليا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أنه عندما قدم درسا في إطار الدروس الحسنية أمام الملك محمد السادس سنة 1999، لا أحد أوحى له بالتطرق في درسه إلى موضوع معين، وبأنه هو من حدد بنفسه المحور الذي ناقشه في محاضرته أمام الملك.
نساء ورؤساء
ولم يقتصر منبر الدروس الحسنية على الرجال، ففي سنة 2003 اعتلت الاكاديمية المغربية رجاء مكاوي منبر الدروس الحسنية أمام الملك محمد السادس وعدد من الوزراء والسفراء وكبار العلماء من العالم الإسلامي.
كما أن منبر هذه الدروس يظل شاهدا على إلقاء رئيس دولة المالديف مأمون عبد القيوم سنة 1993 درسا حول "الاجتهاد وضرورته الملحة لمعالجة القضايا المعاصرة" أمام الملك الحسن الثاني.
وخلال هذه السنة، من المنتظر أن تلغى الدروس الحسنية، بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا في المغرب والكثير من دول العالم.