القائمة

أخبار

عندما تنتقل الشعوذة من الواقع إلى العالم الافتراضي‎

إلى جانب فيديوهات "روتيني اليومي" و "المقالب" التي اكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي، طفت إلى السطح مؤخرا ظاهرة السحر والشعوذة الالكترونية أو الرقمية، ويرى علماء الاجتماع أن إقبال المغاربة على هذا النوع من الفيديوهات راجع لقلة الوعي، وحذروا من خطرها ودعوا إلى حظرها.‎

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

هل تريدين جعل زوجك خاتما في أصبعك؟"، "هل ترغبين في استعادة حبيبك؟"، "هل ترغبين في الزواج من حبيبك؟"، عبارات أصبحت رائجة في مواقع التواصل الاجتماعي، مرفوقة بأشرطة فيديو تلاقي انتشارا واسعا بين المغاربة.

وفي الوقت الذي ينجح فيه صناع هذا المحتوى في جذب عدد كبير من المبحرين في الشبكة العنكبوتية، يحذر علماء الاجتماع من تأثير هذا المحتوى وخطره، ويدعون إلى حظره.

ففي تصريح لموقع يابلادي، قال عالم الاجتماع عبد الجبار بوستة، إن المجتمع المغربي، "يؤمن كثيرا بالمستقبليات والغيب وبالتالي يجد نفسه يعيش في الخيال، عكس المجتمعات التي تأسس ثقافتها على العقلانية"، وذلك راجع بالنسبة له لقلة الوعي.

ويرى بوستة أن المواطن المغربي، ظل متمسكا بالتراث والأعراف التي ورثها أبا عن جد، والتي تدخل ضمنها أيضا بعد الممارسات كالشعوذة، إلى أن ظهر ما يسمى بـ"عولمة الاعلام أو الفضاء الافتراضي"، حيث تم نقل "بعض السلوكيات التي كانت تمارس في العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي"، وبالتالي "انتقلت الشعوذة بدورها إلى العالم الرقمي"، مشيرا إلى أن العالم الافتراضي جعل من ممارسة هاته الطقوس، أمرا سهلا لأنها "متاحة على نطاق واسع وبثمن أقل".

لجوء بعض الأشخاص إلى الشعوذة الرقمية في نظر بوستة، يرجع إلى "عدم توصلهم إلى حلول لمشاكلهم على أرض الواقع، ونظرا لقلة وعيهم، فبدل البحث على حلول علمية ومعرفية، يلجأ الانسان إلى ما أصبح يسمى، حاليا، بالشعوذة الرقمية"، التي أصبح الأشخاص الذين ينتجونها، يلجؤون فيها إلى استخدام أساليب مقنعة أكثر من الواقع، لأنها "تعتمد على مؤثرات جديدة، زيادة على حب الفضول عند البعض، الذي يدفعهم إلى مشاهدة مثل هاته الفيديوهات، خصوصا عندما تكون نسب مشاهدتها كبيرة". وأوضح أن منتجي هذا المحتوى يتبنون "مصطلحات جديدة تتماشى مع طبيعة العالم الافتراضي لجدب هؤلاء الأشخاص أكثر فأكثر".

من جانبه تأسف الدكتور شكيب كسوس المختص في الأنثروبولوجيا، لكون هذا المحتوى أصبح ينقل "من قبل أشخاص مثقفين أيضا" متسائلا حول سبب عدم تدخل السلطات في مثل هذه الحالات.

ويعتقد كسوس أن شبكة الإنترنت أصبحت غابة "يجب أن تتم إعادة هيكلتها ومراقبتها"، وبالنسبة له، فقد "أصبح بإمكان أي شخص أن يقوم بإنشاء صفحة له، ويقوم بإعطاء النصائح والتوصيات التي يمكن أن تشكل خطراً على صحة الانسان. لهذا يرى أنه من الواجب حظر هاته المحتويات" وقال "إذا كان السحر محظورًا بموجب القانون، فهو أيضا محظور على مواقع التواصل الاجتماعي". 

من جهته، يرى الدكتور الباحث في علم الاجتماع زكرياء أكضيض، أن النساء في المغرب، لازالن يظن أن قيمتهن مرتبطة بالزواج، وذلك "ناتج عن التربية التي تلقينها في مجتمعهن. هذه الصورة النمطية تأكدت أيضا بعد ظهور هذا العالم الافتراضي".

ويعتقد الباحث أن الطلب على هذه الفيديوهات يزداد أكثر فأكثر، موضحا أنه "في بعض المدن والمناطق القروية، كانت هناك أماكن معروفة بالشعوذة، يتردد عليها مجموعة من الأشخاص، لكن غالبا ما كان ينظر إليهم بنظرة غير محترمة"، لكن مع ظهور فيديوهات تتعلق بهذه الممارسة، "أصبح الانسان أكثر راحة، إذ يمكنه تصفحها ومشاهدتها بدون أي تخوف وبعيدا عن أي رقابة".

في الوقت الحالي، ومع وجود هذه الفيديوهات التي ساهم الأنترنيت في انتشارها، يرى أكضيض أنه يمكن لمثل "هذه المعتقدات أن تؤثر سلبا أو تغير كليا أفكار الاشخاص الذين يشاهدونها، لأنها تقدم لهم "وصفات" سحرية لتحقيق طموح مزروع بداخلنا، خاصة عند النساء، لأنهن لسوء الحظ، تربين على أن يكن زوجات فقط".

وعبر عن أسفه لحقيقية أن مثل هذه المحتويات أصبحت "تحظى بمصداقية كبيرة من طرف بعض الاشخاص، الذين لم يعودوا يكلفون أنفسهم عناء، التحقق من المعلومات التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. وبالتالي أصبحنا نستهلك المعلومات بشكل مفرط مما يؤثر على قدرتنا على التحليل والنقد. والنتيجة، هي أنه أصبح الانسان يقبل جميع المحتويات كيفما كان نوعها".

فيما أكد المتخصص في علم النفس الاجتماعي محسن بنزاكور، أن ما يحدث حاليا في شبكة الإنترنت يشبه تماما ما وقع، أثناء ظهور القنوات الفضائية في المغرب لأول مرة، إذ كانت مجموعة من البرامج تقدم برامج حول السحر والشعوذة.

وشدد بنزاكور في حديثه ليابلادي، على ضرورة، خضوع، هؤلاء الأشخاص الذين يقدمون مثل هذه المحتويات، "للقوانين التي تحظر وتجرّم السحر، بنفس الطريقة التي نرى بها أشخاصا يحاكمون بتهمة التشهير والابتزاز على الإنترنت".

ويرى بنزاكور أن صانعي هاته المحتويات، "أصبحوا يعتمدوا على وصفات وتعويذات ذكية وحديثة"، وقال "لقد تخلوا عن الطرق القديمة التي كانت تمارس بها هذه الطقوس، وأصبحوا يستخدمون تقنيات جديدة تشمل التكنولوجيا، مثل الهواتف المحمولة، والتعويذات من خلال رسائل على الواتساب، من أجل جدب زبائن أكثر".

وتابع أنه سيرا على خطى، "السحرة القدامى" و"الشوافات"، فإن هؤلاء السحرة الجدد "يخلقون أجواء خاصة بهم بطريقة جديدة، وغالبًا ما تتسم هذه الأجواء بالغموض والخوف" وأوضح أنهم "يقدمون هاته الفيديوهات، بوجه غير مكشوف، ليس لأنهم خائفون من تحديد هويتهم، بل لأنهم يريدون تحضير الأجواء التي كانت تستخدم سابقا، لجعل ممارساتهم غامضة ومقدسة".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال