يعود سبب وصول التبغ إلى أوروبا حسب عدد من المؤرخين إلى اكتشاف كريستوفر كولومبس للعالم الجديد، إذ في أواخر القرن الخامس عشر، عاد المكتشف الإيطالي الشهير إلى بلاده محملًا بأوراق التبغ المجففة كهدايا من شعب الهنود الحمر، ليصبح فيما بعد الادمان على التدخين شائعا جدا في أوروبا إلى درجة أن البعض قال عنه إنه يساوي الذهب.
وصول التبغ إلى بلاد المغرب
وانتظر المغاربة قرنا من الزمان بعد استقدام كريستوف كولومبوس التبغ إلى أوروبا، قبل أن يصلهم من الجنوب عبر الصحراء، وينتشر استهلاكه بالتدريج.
ويورد كتاب "نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي" لمحمد الصغير الإفراني أنه "في سنة واحد وألف (1592) أتى بالفيلة من بلاد السودان للمنصور، وكان يوم دخولها لمراكش يوما مشهودا، برز فيه كل من في المدينة لرؤيتها من رجال ونساء وصبية وشيوخ. ثم في رمضان عام سبعة وألف (1599)، حملت لفاس أيضا. وقال بعضهم : وبسبب دخول هذه الفيلة للمغرب، ظهرت هذه العشبة الخبيثة المسماة تبغة".
ويضيف الإفراني في كتابه "ولأن السودان الذين قدموا يسوقون الفيلة، قدموا بها يشربونها (يدخنون نبتة التبغ)، ويزعمون أن فيها منافع. فشاعت عنهم في درعة ومراكش وغيرهما من بقاع المغرب".
ورغم أن بعض المغاربة أعجبوا بنبتة التبغ، إلا أن العديد من الفقهاء استقبلوها بنوع من الحيطة والحذر، إذ يشير الإفراني إلى أن فتاوى العلماء تعرضت فيها بعد "ظهورها ، فمن قائل بالتحريم، ومن قائل بالتحليل ومتوقف".
تحريم التدخين
في الوقت الذي ذهب فيه كثير من العلماء إلى إصدار فتاوى تحرم التدخين مباشرة بعد وصول التبغ إلى المغرب، اختار الفقيه محمد بن عبد الله بن محمد اليفرني الشهير بالمكناسي، الذي تولى القضاء بمدينة فاس موقف الحياد وقال "العلم فيها عند الله سبحانه".
ورغم أن المغرب لم يكن يوما تابعا للإمبراطورية العثمانية، إلا أنه كان يتأثر بالفتاوى القادمة من إسطنبول، ففي سنة 1634، أمر السلطان مراد الرابع "بقطع الخمر والقهوة والدخان من اصطمبول وأرسل بذلك إلى حلب والشام ومصر. وكل من ظهر عليه لا شافع فيه كائنا من كان"، بحسب ما يحكي محمد بن الطيب القادري في كتابه "نشر المتاني لأهل القرآن الحادي عشر والثاني".
وبعد أربعة سنوات من ذلك تولى "الحاج صالح ولاية الحسبة" في أجزاء من فاس، وأمر بقطع "شراب الدخان وبيعه وقطع اللهو وآلات الطرب من النساء، وألزم الناس الصلوات في اوقت والستر في الحمام".
ومع الانتشار الكبير لتعاطي التبغ في بداية القرن التاسع عشر، أصدر السلطان العلوي سليمان بن محمد بن عبد الله في التاسع من شهر مارس من سنة 1814 أمرا بقطع "طابا والكيف وأمر بإحراقها في كل بلد"، بحسب ما يؤكد كتاب "تاريخ الدولة السعيدة" لمحمد الضعيف الرباطي.
بإمكان الزوجة طلب الطلاق من زوجها إذا كان مدمنا
وتشدد بعض الفقهاء في تحريم التدخين ومن بينهم أحمد بن خالد الناصري (1835- 1897)، الذي قال في كتابه الاستقصا "من تأمل أدنى تأمل في قواعد الشريعة وآدابها علم يقينا أن تناول هذه العشبة حرام، لأنها من الخبائث التي حرمها الله تعالى على هذه الأمة المطهرة".
وأضاف الناصري "وأنت لا تجد أخبث ولا أقذر من رائحة أفواه شربة الدخان، ولا أنتن ولا أعفن من نكهات الـمُسْتَفِّين لغبار تابغ، وهذا النتن من أقبح العيوب في نظر الشرع، حتى أنه جعل الخيار (الطلاق) لأحد الزوجين إذا كان صاحبه أبخر (انْتَنَّ ريحه)، فإذاً لا نشك أن استعمال هذه العشبة الخبيثة في الفم أو الأنف من أعظم المحظورات، لأنها تصدم غرضاً كبيراً من أغراض الشارع وتضاده وتنفيه".
وإضافة إلى الرائحة الكريهة التي يخلفها التدخين، تحدث الناصري في فتواه عن الإدمان على التدخين وقال "هذا إلى ما يتبع ذلك من المفاسد المتعددة من تغيير عقل متعاطيها، حتى إنه إذا انقطعت عنه صار كالمجنون لا يبالي بما يصدر منه، ومن دخول الشك في صيامه، لأن بقايا ذلك الدخان أو ذلك الغبار قد يمكث في حلقه إلى طلوع الفجر وما بعده، لأن جُلَّهُم إذا قرب الفجر وَالَوْا استعماله حتى يكون هو خاتمة سحورهم".