أفاد المجلس الأعلى للحسابات، بأن مؤسسات القطاع العمومي تمتلك خزانا من المعلومات القيمة، من قبيل البيانات العمومية غير الشخصية، والتي تتيح للمواطنين والباحثين والأكاديميين والشركات، إيجاد طرق جديدة لاستخدام هذه المعطيات، وبالتالي تطوير منتجات وخدمات مبتكرة.
وجاء في تقرير للمجلس حول "تقييم الخدمات على الإنترنيت الموجهة للمتعاملين مع الإدارة"، أن "نشر البيانات العمومية غير الشخصية (الجغرافية والديموغرافية والإحصائية والبيئية) بصيغ رقمية سهلة الاستغلال، يفتح آفاقا جديدة للمواطنين والباحثين الأكاديميين والشركات، لاسيما الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في القطاع الرقمي وكذا للإدارة نفسها، حيث يتيح لجميع هؤلاء الأطراف إمكانية إيجاد طرق جديدة لاستخدام هذه المعطيات، وبالتالي تطوير منتجات وخدمات مبتكرة".
ولاحظ المجلس، في تقريره، غياب سياسة واستراتيجية معلنة في مجال فتح البيانات، كما سجل عدم تحديد قواعد البيانات المعنية بالنشر ولا صيغ نشرها أو رخص إعادة الاستعمال المطبقة عليها. وأضاف أن مجال فتح البيانات تأثر بتأخر اعتماد القانون المنظم للحق في الوصول إلى المعلومات، حيث لم يصدر القانون رقم 13.31 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات إلا في مارس 2018، مسجلا أن المعطيات الأكثر أهمية، التي تستجيب لحاجيات المواطنين، لا يتم نشرها طبقا للمعايير المعترف بها دوليا في هذا المجال.
من جانب آخر، أوضح التقرير أن المغرب حقق سنة 2014 أفضل رتبة له في تصنيف الأمم المتحدة المتعلق بالخدمات الرقمية، وذلك خلال الفترة 2008-2018.
وسجل أنه من بين 193 دولة التي شملها التصنيف، ارتقى المغرب من الرتبة 115 سنة 2008 إلى الرتبة 30 سنة 2014، "لكن هذا التطور الإيجابي لم يستمر خلال السنوات الموالية، حيث تقهقر تصنيف المغرب بشكل ملحوظ سنة 2018 واحتل المرتبة 78". وفيما يخص عاملي الرأسمال البشري والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات اللذين يشكلان المكونين الآخرين لمؤشر برنامج الحكومة الإلكترونية الذي تضعه الأمم المتحدة، فإن تصنيف المغرب لم يعرف أي تقدم ملموس وبقي في أسفل الترتيب الدولي: الرتبة 148 على مستوى الرأسمال البشري والرتبة 104 على مستوى تطور البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، مما يشكل عائقا أمام استعمال واسع للخدمات الرقمية المقدمة من طرف المرافق العمومية.
وتحدث التقرير عن ضعف التقدم في تنفيذ بعض المشاريع الكبى لبرنامج الحكومة الإلكترونية، فبالرغم من أن المغرب أحرز تقدما ملحوظا في مؤشر الخدمات على الأنترنيت للأمم المتحدة خلال الفترة 2012 -2016، إلا أن المجلس سجل أن بعض المشاريع الكبرى لبرنامج الحكومة الإلكترونية e-gov الذي هم الفترة 2009 -2013 لم تعرف تقدما ملموسا. من بينها على سبيل المثال الخدمات الخاصة بالحالة المدنية وخدمة إنشاء المقاولات عبر الأنترنيت وكذا تسجيل السيارات عبر الأنترنيت.
من جهة أخرى، أظهرت المقارنة المنجزة لمدى نضج عينة مكونة من 15 خدمة في كل من المغرب ودول الاتحاد الأوروبي، أن المغرب حقق نسب نضج جيدة بالنسبة لثمان خدمات، من بينها على الخصوص، تلك المتعلقة بأداء الضرائب (الضريبة على الدخل، الضريبة على الشركات، الضريبة على القيمة المضافة) والرسوم الجمركية. وفي المقابل، تظل الخدمات السبع الأخرى بعيدة عن المعدل الأوروبي من حيث مستوى النضج، لاسيما تلك المتعلقة بطلب الوثائق الشخصية، كتسجيل السيارات وتسجيل الشركات الحديثة التأسيس وإرسال البينات المتعلقة بالإحصائيات حول الشركات إلى المندوبية السامية للتخطيط.
واعتمد المجلس على الدراسة المقارنة الأوروبية من أجل تقييم مستوى توفير خدمات تخص عينة مكونة من ستة أحداث تهم حياة المواطن، وهي فقدان العمل والبحث عنه، والشروع في مسطرة شكاية، وحيازة وسياقة سيارة، ومتابعة الدراسة في مؤسسة للتعليم العالي، وتأسيس شركة والقيام بأولى الإجراءات، والقيام بالعمليات الاعتيادية لشركة.
وقد مكن التقييم الذي قام به المجلس من مقارنة المغرب مع الدول موضوع الدراسة المقارنة في مجال الخدمات العمومية على الإنترنيت، والخروج بخلاصات حول الفوارق بين ما هو عليه الحال في المغرب وبين ما هو معمول به من الممارسات الجيدة على المستوى الدولي.
وتحدث التقرير عن التأخر في اعتماد مخطط استراتيجي مفصل منذ سنة 2013، وقال إنه منذ وصول استراتيجية المغرب الرقمي 2013 إلى نهايتها، عرف المغرب بعض التأخر في اعتماد استراتيجية رقمية مفصلة، رغم قيام وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي في دجنبر 2014 بإبرام صفقة تفاوضية تتعلق بصياغة مخطط استراتيجي جديد "المغرب الرقمي 2020" واستلام نتائج هذه الدراسة في يونيو 2015، إلا أنه إلى حدود نهاية سنة 2018، لم يتم بعد نشر تفاصيل المخطط الاستراتيجي الجديد وأهدافه ومؤشراته.
وأشار التقرير أيضا إلى افتقار هيئات الحكامة للصلاحيات الكافية وعدم وضوح اختصاصاتها، وتأخر إصلاح إطار الحكامة الخاص بمجال الاقتصاد الرقمي، وضعف آليات تتبع جودة الخدمات التي تقدمها الإدارة.
وأوصى المجلس بوضع المواطن في صلب اهتمامات المرفق العمومي والتركيز على الخدمات عبر الأنترنيت الأكثر طلبا، عبر اعتماد مقاربة ترتكز على "أحداث الحياة" وتتبع مسار المستخدم بكامله، وكذا السعي بصفة إرادية إلى تطوير الخدمات المقدمة تلقائيا وغير المشروطة بتقديم طلب مسبق من المرتفق.
وحث السلطات العمومية المعنية على تطوير ونشر استراتيجية رقمية مفصلة، والعمل على إدماج المشاريع الرئيسية للخدمات على الأنترنت التي تطلقها مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية بهدف تحقيق تناسق عام بين هذه المشاريع، إلى جانب إعادة النظر في الحكامة العامة للخدمات العمومية عبر الأنترنيت، وعلى الخصوص، العلاقة بين وكالة التنمية الرقمية ومختلف الإدارات، لاسيما الوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزارة الداخلية.
كما دعا إلى تشجيع الجماعات الترابية على الانخراط في مشاريع تطوير الخدمات على الأنترنيت، وذلك من خلال آليات ملائمة للدعم المالي والتقني، مع الحرص على إدماجها في الاستراتيجيات الرقمية الوطنية.
وحث المجلس على تحسين جودة تتبع تطور الخدمات على الأنترنيت، وذلك باعتماد مؤشرات نوعية وإجراء تقييمات منتظمة لمدى استعمال هذه الخدمات من قبل المرتفقين، وكذا أثر هذه الخدمات عليهم وعلى الإدارة.