ما هي الرهانات التي تحملها الانتخابات التشريعية ليوم الجمعة المقبل؟
تحمل الانتخابات التشريعية ليوم الجمعة 25 نونبر رهانات ذات أبعاد متعددة، سياسية ،اقتصادية، اجتماعية..
على المستوى السياسي تشكل رهانا حقيقيا أمام مختلف الفاعلين لتنزيل مقتضيات دستور 2011 على مستوى أرض الواقع، خصوصا وأن هذا الدستور شكل تعاقدا سياسيا على أساسه تمت إعادة النظر في المنهجية التي يتم بواسطتها تصريف السياسات العمومية، ومن خلال علاقة الحاكم بالمحكوم. فدستور 2011 شكل فرصة تاريخية لترجمة فضائل التوافق التي عرفها المغرب منذ سنة 1998، حيث لأول مرة في تاريخ الدستورانية المغربية تم الاعتماد على لجنة استشارية موسعة أشرفت على صياغة الدستور والتي بدورها اعتمدت مقاربة تشاركية واسعة في مسلسل الإعداد. فالتشاور لم يقتصر فقط على الأحزاب السياسية الرئيسية وإنما على مختلفها صغيرة أو كبيرة، موالية أو معارضة، وكذا إشراك مختلف الهيئات والمنظمات المدنية والشخصيات..
فالدساتير المتعاقبة التي أشرف الملك الحسن الثاني على وضع تصورها السياسي، منذ أول دستور سنة 1962 وحتى الدساتير المراجعة المتتالية، 1970؛ 1972؛ 1992؛ 1996 تميزت بتحكمه في هندسة موضوعها، الذي جسد منطق الملكية التي تسود وتحكم بصفتها نظرية في الحكم تستمد أسسها في ذلك من المشروعية الدينية التي كرسها الفصل 19 على مر الحياة السياسية المغربية منذ سنة 1962.
أما الدستور الحالي مع الملك محمد السادس، رغم احتفاظه بمكانة استراتيجية في الحياة السياسية والدستورية إلا أنه حاول التجديد في أسلوب الحكم الذي أصبح يعتمد على مجموعة من المقاربات الحية والعملية في مسلسل السياسات العمومية كرافعات لمشروعية الانجاز، والتي تمثلت أساسا في مقاربة النوع والمقاربة التشاركية والمقاربة المجالية والمقاربة الحقوقية. كما أن الرهان الاقتصادي الذي تحمله هذه الانتخابات يكمن في إفراز النخب السياسية الكفأة والمسؤولة والقادرة على إدارة وتدبير السياسات بما يمكن المواطن من الولوج إلى الخدمات الأساسية وتحقيق حاجياته وانتظاراته، وعلى المستوى الاجتماعي يراهن على هذه الانتخابات في أن تشكل فرصة لإشاعة نظام قيم جديد يقطع مع التجارب السابقة التي هيمن فيها الفساد بمختلف أشكاله المتمثلة أساسا في الرشوة والمسؤولية والمحسوبية واستغلال النفوذ والتي تقود كلها إلى الاغتناء الغير المشروع على حساب آلام وآمال المواطنات والمواطنين..
في سياق التحولات الإقليمية والعربية الجارية كيف تقرؤون موقع الإسلاميين المغاربة في المشهد السياسي الحالي؟
يتضح بأن موقع الإسلاميين ليس على نفس الخط أو المستوى مادام هناك المشارك وهناك الذي يدعو إلى المقاطعة، وأتحدث بالنسبة للمشاركين ولو على اختلاف مستوياتهم، ستلعب لصالحهم بعض العوامل والمرتبطة أساسا بالدعم النفسي الذي قدمه عامل فوز حركة النهضة في تونس والذي خفف من أية تحليلات مسبقة يمكن أن تهول من فوز الإسلاميين في الانتخابات، كما أن فوز النهضة أعطى لمنخرطي ومناضلي الأحزاب الإسلامية في المغرب دعما قويا في الإيمان بالفوز وتحقيق الصدارة في الانتخابات، كما أن الأحداث والتحولات الأخيرة التي تعرفها مصر ــ حتى كتابة هذه السطور ــ في إطار مظاهرات تصحيح الثورة ستساعد على دفع السلطات على تحمل مسؤولياتها في العمل على ضمان إجراء انتخابات شفافة ونزيهة دفعا لكل استغلال من طرف الجهات المدعمة لمقاطعتها، ومن جهة أخرى مقاطعة بعض الجهات المناوئة للإسلاميين للانتخابات والتزام منخرطيهم ومناضليهم بالتصويت يوم الاقتراع سيساعد على تعزيز حظوظهم في الفوز. كلها عوامل تصب في صالح الحزب الإسلامي الكبير وهو حزب العدالة والتنمية، وعليه أرى أن هذا الحزب يحتفظ بحظوظ قوية لتحقيق نتائج مؤثرة في اقتراع الجمعة 25 نونبر 2011 قد تصل إلى مستوى تحقيق الرتبة الأولى على مستوى النتائج النسبية الرسمية، مما سيعطيه حسب مقتضيات الفصل 47 من الدستور ولأول مرة في تاريخه فرصة تشكيل الحكومة، وهي مسألة غير مستبعدة رغم بعض التعقيدات التي يمكن أن تطرأ بحسب ما تمليه بعض الجزئيات التي قد تفرضها طبيعة التحالفات والمصالح والمنافع المتبادلة. كما أن الحزب سيستفيد في هذا السياق من تجربته في العمل البرلماني والتي من دون شك كان لها قيمة مضافة وتميز من حيث الحصيلة النوعية والكمية.
في تقديركم هل تم اليوم حسم طبيعة التحالفات السياسية التي ستبرم بعد الجمعة المقبل؟
كما تعلم بأن المشهد السياسي وذلك قبل انطلاق الحملة المتعلقة باقتراع الجمعة 25 نونبر 2011، عرف الدخول في مجموعة من التحالفات أبرزها التحالف المعروف بتحالف الثمانية (G8) وأعقبه بعد ذلك تحالفات أقله حجما وقوة وكلها في اعتقادي لا تخرج عن نطاق ردود الأفعال التي تسبق حمى الانتخابات مما يخلق الاعتقاد بمحدودية دورها وأهميتها، وفي اعتقادي التحالفات الواقعية والعملية ستظهر بعد إعلان النتائج الرسمية من طرف السلطات المختصة مادامت هذه التحالفات محكومة بالمنطق العددي (أي عدد المقاعد المحصل عليها في المجلس المنتخب) وليس بالمنطق النوعي الذي تحدده المنطلقات الإيديولوجية المعبر عنها في البرنامج السياسي والانتخابي، وهي خلاصة تستشف من تصريحات زعماء الأحزاب السياسية التي ترفض في الغالب الكشف عن نواياها وتصرح بترك ذلك حتى ظهور النتائج الرسمية، وبالنظر إلى طبيعة نمط الاقتراع المطبق وهو نمط الاقتراع باللائحة على أساس قاعدة أكبر البقية والمتميز بنتائجه المبلقنة، يصعب على أي حزب سياسي الحصول ولو حتى على نسبة 18% مما يعني أن التحالف الحكومي لا يمكن أن يقل عن تحالف خمسة أو ستة أحزاب لتشكيل الحكومة، وهي مسألة ستعقد المشاورات وستجعلها صعبة فيما يتعلق بتقسيم الأدوار لتحمل مسؤولية الاستوزار. مما قد يؤشر على ظهور تحالفات قد تظهر من الناحية السياسية غير طبيعية وغير عادية بمثابة ردود أفعال لضغط طرف على الطرف الآخر وذلك من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات.