القائمة

أخبار

من الصيادين إلى المزارعين..دراسة جينية تكشف تأثيرات الهجرات على شمال إفريقيا

كشفت بيانات أثرية عن التحول الذي شهدته الشعوب القديمة في شمال إفريقيا من الصيادين والجامعين إلى المنتجين، وذلك بين 20,000 و4,000 سنة قبل الميلاد. بعد تسلسل الجينوم في المغرب، تثير بعض الأدلة الموجودة في مواقع بالجزائر وتونس تساؤلات حول الحركات السكانية بين آسيا وأوروبا والمغرب العربي خلال تطور ثقافة الإنتاج المحلية.

نشر
منظر خارجي لموقع الحفريات في دجبّة (تونس)
مدة القراءة: 5'

كانت تربية الحيوانات وزراعة النباتات وصناعة الفخار من العوامل الرئيسية التي ميزت تطور نمط حياة الشعوب القديمة، من الصيادين والجامعين إلى المنتجين. وقد أجرى مجموعة من الباحثين دراسة حول هذا التحول في شمال إفريقيا، حيث قدموا بيانات مكملة للاكتشافات الموثقة في المغرب. في دراستهم التي نشرت في مجلة "نيتشر" العلمية بعنوان "استمرار عريق لأصل الصيادين في الفترة النيوليثية من المغرب العربي الشرقي"، قدموا معلومات عن تعقيد هذه الديناميكيات في مناطق موسعة من المغرب العربي، خاصة في الجزائر وتونس، مما يسلط الضوء على العصر النيوليثي في المنطقة.

لفهم هذه التحولات، استخدم الباحثون تحليلات الحمض النووي، مشيرين إلى "تعقيد الاستيطان" في المنطقة وتبني السكان المحليين لثقافة الإنتاج. وقد كشف تسلسل الحمض النووي لثمانية أفراد من العصر الحجري المتأخر إلى العصر النيوليثي عن "اتصالات بعيدة المدى وتحولات سكانية مرتبطة بنقل اقتصادات العيش"، مع "أصل من الصيادين والجامعين الأوروبيين، مما يعكس على الأرجح تحركات في بداية الهولوسين عبر مضيق صقلية نحو تونس الحالية".

وفقًا للمصدر ذاته، "احتفظت الشعوب النيوليثية اللاحقة في المغرب العربي الشرقي إلى حد كبير بأصل من الصيادين المحليين، بالإضافة إلى مساهمات أكثر تواضعا من المزارعين الأوروبيين (حوالي 7,000 سنة قبل الميلاد) ومن مجموعات الشام (حوالي 6,800 سنة قبل الميلاد)"، حيث كانت أقل تأثرا بالأنماط الوراثية الخارجية مقارنة بشعوب أجزاء أخرى من البحر الأبيض المتوسط النيوليثي.

إعادة بناء التنظيم الاجتماعي في شمال إفريقيا

على الضفة الأوروبية، وسع المزارعون من أصل أناضولي نشاطاتهم على طول الساحل، حتى وصلوا إلى إيبيريا، "حوالي 7,500 سنة قبل الحاضر، حيث امتصوا في طريقهم من 0 إلى 30% من أصل الصيادين والجامعين من غرب أوروبا". يتم تتبع هذه الحركة خاصة من خلال الفخار "القلبي" المرتبط بشبه الجزيرة الإيبيرية وجنوب فرنسا، الذي اكتُشف في المغرب العربي الغربي (المغرب)، "بالإضافة إلى آثار النباتات والحيوانات المدجنة ومواد أخرى مرتبطة"، كما يلاحظ الباحثون.

المصدر: الاستمرارية العالية لأصل الصيادين في العصر النيوليثي بالمغرب الشرقيالمصدر: الاستمرارية العالية لأصل الصيادين في العصر النيوليثي بالمغرب الشرقيالمصدر: الاستمرارية العالية لأصل الصيادين في العصر النيوليثي بالمغرب الشرقي

يبرز الباحثون أهمية هذه الدراسة، مشيرين إلى أنه بينما كانت الدراسات حول الحمض النووي القديم في جنوب أوروبا شاملة بما يكفي لكشف "سجل تفصيلي للتحولات السكانية على مر الزمن"، إلا أن الأعمال المماثلة في شمال إفريقيا لا تزال محدودة. "أول بيانات للحمض النووي القديم على مستوى الجينوم النيوليثي في شمال إفريقيا تأتي من موقع إفري نعمر موسى في المغرب، الذي يعود تاريخه إلى حوالي 7,000 سنة قبل الميلاد". ويكشف الموقع عن "أصل موروث من تجمع جيني 'مغاربي' مرتبط بأفراد أقدم بكثير (15,000 إلى 14,000 سنة قبل الميلاد) من العصر الحجري المتأخر.

ومع ذلك، فقد كانت "الشعوب المنحدرة من المزارعين الأوروبيين قد أثرت بشكل كبير على الشعوب المجاورة"، مساهمة بما يصل إلى "حوالي 80% من أصل الأفراد في موقع كاف الغار" (7,200 سنة قبل الميلاد)، بالقرب من تطوان. "على مدار ألفية أخرى، ظهرت مكونة جديدة مرتبطة بالشعوب النيوليثية من الشام، ويُعتقد أنها جاءت من توسع أولى المجتمعات الرعوية من جنوب غرب آسيا، وتشكلت حتى حوالي 50% من أصل موقع سكيراط-روزي، حوالي 6,400 سنة قبل الميلاد".

هذه المكونات الثلاثة المغاربية، الأوروبية والشرقية كان لها تأثير كبير على مكونات موقع كهف البارود، النيوليثي المتأخر (حوالي 5,700 سنة قبل الميلاد) بالقرب من الرباط في المغرب. في الشرق الأقصى من المغرب، تسجل الأدلة الأثرية تقليدا ثقافيا مميزا من بداية الهولوسين (قبل النيوليثي)، حيث كانت الشعوب تمزج بين الصيد والجامعية، واستخدام الرخويات البرية، والثدييات الكبيرة والنباتات البرية.

بيانات مكملة للاكتشافات غير المسبوقة في المغرب

كما قام الباحثون بتحليل بيانات الجينوم من ثلاثة مواقع في تونس الحالية وموقع أفالو بورم في الجزائر (من حوالي 15,000 إلى 11,000 سنة قبل الميلاد)، ما يثبت الروابط مع الاكتشافات في المغرب. ورغم أن التحليلات العميقة لا تزال ضرورية للحصول على مزيد من المعلومات حول هذه التحولات، إلا أن هذه البيانات تعتبر ذات أهمية كبيرة في تكاملها مع الاكتشافات الأثرية الحديثة في المغرب.

في المغرب، اكتشف الباحثون وجود مجتمع زراعي كان غير معروف سابقا، بين 3400 و 2900 قبل الميلاد، مما يعد أول مجمع زراعي في إفريقيا خارج ممر النيل. وتشير هذه الاكتشافات إلى أن شمال إفريقيا لعبت دورا مهما في تاريخ المنطقة خلال العصر النيوليثي.

في واد بهت، اكتشف علماء الآثار "فخارا وأدوات حجرية، بالإضافة إلى العديد من الحفر"، مما يشير إلى "مجتمع يجمع بين المغرب العربي مع التطورات المعاصرة في البحر الأبيض المتوسط الغربي". في شمال شرق البلاد، يعمل الباحثون أيضا على بيانات موقع كاش كوش بالقرب من واد لاو، التي تقدم معلومات حول التاريخ القديم للمغرب العربي. في الموقع، اكتشف الفرق الأثرية ما قد يكون أول قرية بروتوتاريخية في المنطقة، قبل وصول الفينيقيين. يعود الوجود البشري في الموقع إلى فترات بين 2200 و 2000 قبل الميلاد حتى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال