ينتشر متبعو المذهب الإباضي خصوصا في سلطنة عمان ومنطقة غرداية بالجزائر، وكذلك في بعض المناطق بكل من تونس وليبيا، كما يوجدون على شكل أفراد في المغرب.
تاريخ المذهب الإباضي
بعد مقتل عثمان بن عفان الذي يعتبر ثالث الخلفاء الراشدين، تولى تسيير أمور المسلمين علي بن أبي طالب، وكان خليفة المسلمين الجديد يرى أن يبايع أولا ثم يقوم بالقصاص من قتلة عثمان بن عفان، وهو ما رفضه معاوية بن أبي سفيان فانقسم الصحابة إلى ثلاث أقسام: الطائفة الأولى ممثلة في طلحة والزبير وعائشة ومعاوية، ترى هذه الطائفة أنه يجب التعجيل بالقصاص من قتلة عثمان، أما الطائفة الثانية فهي المتمثلة في فئة علي بن أبي طالب ومن معه ويرون حسم الخلافة أولًا ثم القصاص لاحقًا، فيما كانت الطائفة الثالثة ممثلة في سعد، وابن عمر، وأبو هريرة، ومحمد بن مسلمة، والأحنف، وأسامة بن زيد، وأبو بكرة الثقفي، ومعظم الصحابة، وترى هذه الطائفة اعتزال الجميع.
وبعدما تولى علي الخلافة، أمر بإعفاء الولاة الذين عينهم عثمان بن عفان، ومنهم معاوية بن أبي سفيان الذي كان واليا على الشام، إلا أن هذا الأخير رفض وأصر على عدم مبايعة عليّ قبل القصاص من قتلة ابن عمه عثمان. بعد ذلك أرسل علي بن أبي طالب، إلى معاوية يدعوه للمبايعة، فاستشاط هذا الأخير غضبا، وطالب بجمع أهل الشام و الخروج نحو العراق للمطالبة بالقصاص من قتلة عثمان، والتقى أنصار علي ومعاوية في معارك خلفت عددا كبيرا من القتلى.
وفي سنة 37 للهجرة التقى الجيشان في منطقة صفين (الحدود السورية العراقية الحالية) واستمرت المعارك لتسعة أيام متتالية سقط خلالها آلاف القتلى، ليقرر بعد ذلك قائدا الجيشين اللجوء إلى تحكيم القرآن بينهما، وعين كل جيش مفاوضا باسمه، لكن هذا الأمر أحدث خلافا داخل جيش علي بن أبي طالب، حيث رأى بعض مناصريه أنه الإمام الشرعي وأنه لا يجب عليه أن يتفاوض مع معاوية، وقرروا الخروج عليه وتوجهوا إلى جنوب الجزيرة العربية حاليا.
بعد ذلك انقسم الخوارج إلى فرق كثيرة يجمعها البراءة من عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب. وأهم هذه الفرق: المُحَكِّمة، الأزارقة، النجدات، البيهسية، العجاردة، الثعالبة، والصفرية و الإباضية.
من هم الإباضيون
يعتبر المذهب الإباضي من أقدم المذاهب الإسلامية، إذ يرجع تاريخ نشأته وتأسيسه إلى القرن الأول الهجري، وينسب إلى جابر بن زيد الأزدي العماني، أما تسمية الإباضيين فقد جاءت من طرف الأمويين الذي نسبوا المذهب إلى عبد الله بن أباض وهو تابعي عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبد المالك بن مروان، ويعود سبب التسمية إلى المواقف الكلامية والجدالية والسياسية التي اشتهر بها عبدالله بن أباض في تلك الفترة.
وجاء في كتاب "دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين: الخوارج والشيعة" لصاحبه أحمد محمد أحمد جلي أن "الإباضية يعتبرون جابر بن زيد المؤسس الحقيقي للمذهب، إذ إنه كان الإمام الروحي، وفقيه الإباضية ومفتيهم، وكان بالفعل الشخص الذي بلور الفكر الإباضي بحيث أصبح متميزا عن غيره من المذاهب، بينما كان ابن إباض المسؤول عن الدعوة والدعاة في شتى الأقطار".
وبخصوص المعتقدات يرى أصحاب المذهب أن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين، وبحسب ما جاء في كتاب " الصراع المذهبي بإفريقية إلى قيام الدولة الزيرية" لصاحبه مجدوب عبد العزيز فإن "أبرز ما يتصف به الإباضيون تمسُّكُهم الشديد بالدين، بأداء فروضه، وتجنب منهياته إلى حد يثير الإعجاب ويدعو للاعتبار، وبُغضهم المفرط لأصحاب الظلم والفساد، وبفضل هاتين الصفتين استطاعوا أن يُحققوا لأنفسهم عزًّا دينيا ومجدًا سياسيا، خلَّدَ ذكرهما التاريخ".
فيما يقول محمود إسماعيل عبد الرازق في كتابه "الخوارج في بلاد المغرب حتى منتصف القرن الرابع الهجري" "والواقع أن الاعتدال هو السمة الواضحة لعقائد الإباضية، إذ إنهم يحرِّمون دماء المسلمين وسَبيَ ذَراريهم وغنيمةَ أموالهم، كما أنهم اعتبروا دُور مخالِفيهم دارَ توحيد إلاَّ معسكر السلطان فإنه دار بَغي، وأجازوا مناكحتهم وموارثتهم وغنيمة أموالهم من السلاح والكراع عند الحرب، وحرَّموا قتلهم وسبيَهم في السرِّ غيلةً إلا بعد نصب القتال وإقامة الحجة. وقالوا في مرتكبي الكبائر إنهم موحِّدون، وإن كفروا، كفر النعمة لا كفر الملة. وتوقفوا في أطفال المشركين وجوَّزوا تعذيبَهم على سبيل الانتقام. ولعل طابعَ الاعتدال في عقائد الإباضية هذه هو ما جعلهم أقربَ فرق الخوارج إلى أهل السنة".
ويقول أحمد جلي في كتابه "دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين: الخوارج والشيعة" إن الإباضيين "لا يقولون بأن دار مخالفيهم دار حرب، ولا يحكمون بالشرك على من خالفهم، ومن ثم لا يجيزون قتال من لم يقاتلهم، ومن قاتلوهم لا يستبيحون أخذ أموالهم كغنائم، ولا قتل نسائهم وأطفالهم، ولا سبيهم، ولا يعتبرون الخروج فرضا لازما، بل أباحوا لأفراد جماعتهم العيش في ظل حكم الطغاة تقية، للضرورة، ويذهبون إلى أن الشَّراء، أو بذلَ النفس أمرٌ طوعي إذا فرضه الخارجون على أنفسهم ".
وصول المذهب الإباضي إلى الغرب الإسلامي
بعدما فشل الإباضيون في نشر دعوتهم بالمشرق، وتعرضهم للاضطهاد من قبل دولة بني أمية، توجه البعض منهم إلى الغرب الإسلامي لنشر المذهب ووجدوا الأحوال السياسية والاجتماعية ملائمة، بحسب ما جاء في كتاب "الخوارج في بلاد المغرب حتى منتصف القرن الرابع الهجري"، خصوصا وأنهم اضطروا في المشرق إلى "اتباع أسلوب الدعوة والتنظيم السياسي"، واختاروا "أطراف العالم الإسلامي ميدانا لنشاطهم بعد أن تعرضوا للمطاردة والاضطهاد".
ويؤكد عبد الحميد زغلول في كتابه "تاريخ المغرب العربي" أن أول من جاء من الإباضيين إلى الغرب الإسلامي هو سلمة بن سعد بن علي بن أسد الحضرمي، وذلك في القرن الثاني الهجري، وينسب إليه قوله "وددت أن لو ظهر هذا الأمر من أوَّل النهار إلى آخره فلا أبالي أن یضرب عنقي".
وهكذا أصبحت بلاد المغرب ملجأ لنشاط الخوارج، فقد انتشر المذهب الصفري بین المغرب الأقصى وبعض نواحي المغرب الأوسط، أما المذهب الإباضي فقد انتشر في المغربین الأدنى والأوسط، وبعد هذا الانتشار اتجهت أنظارهم نحو الثورة ضد الحكام وعمت هذه الثورات بلاد المغرب.
وإثر ذلك تمكن عبد الرحمن بن رسوتم وهو من أعلام المذهب الإباضي من تأسيس دولة عرفت بالدولة الرستمية في المغرب الأوسط سنة 160 هجرية، استمرت هذه الدولة لما يقرب من 140 سنة، إلى أن هجم عليها الفاطميون الشيعة، بقيادة عبد الله الشيعي وقتلوا أهلها وعاثوا فيها فسادا، لينحصر بعد ذلك تواجد الإباضيين في أماكن محددة خصوصا في المغرب الأوسط وإفريقية.
وفي الوقت الحالي باتت الإباضية تنتشر في سلطنة عُمان حيث يمثلون حسب بعض الإحصائيات ما يقارب 70% من العُمانيين كما ينتشرون أيضا في جبل نفوسة وفي زوارة في ليبيا ووادي مزاب في الجزائر وجربة في تونس وتنزانيا.
الأقلية الإباضية في المغرب
وتوصلنا في موقع يابلادي إلى شخص يعتنق المذهب الإباضي في المغرب، ووافق على الحديث معنا شريطة عدم ذكر اسمه، تجنبا لم قد يلاقيه من مشاكل من بعض المتعصبيين، وأكد لنا أن "الاباضية في المغرب مذهب مرتبط بالهوية الأمازيغية".
وزاد قائلا "أنا إنسان علماني، وكل شخص حر في اختيار ديانته، وأنا اخترت من بين المذاهب الموجودة في الإسلام مذهبا قريبا إلى ميولاتي الديمقراطية، المذهب الإباضي هو مذهب ديمقراطي، مقارنة بالطائفة الشيعية والسنية". وواصل حديثه قائلا "اخترت هذا المذهب الذي لا يشترط في الخلافة كالشيعة أن يكون الحاكم عربيا قرشيا ومن أهل البيت، أو السنة الذين يقولون إنه يجب أن يكون عربيا وقرشيا، فالإباضيون يشترطون في الامام أن تتوفر فيه القدرة والامكانيات العقلية والجسدية فقط".
وأضاف "أنا ناشط حقوقي أمازيغي، وجدت هذا المذهب الأقرب إلى قناعاتي، وهذا المذهب هو القريب لنشطاء الحركة الأمازيغية المسلمين، وهو المذهب الذي أصبح أكثر اتباعا بينهم، بفعل تأثير الإباضيين في الأمازيغ المتواجدين في غرداية بالجزائر، وفي الأمازيغ المتواجدين في ليبيا".
ووصف المذهب الإباضي بكونه "مذهب مسالم وينبذ العنف، فمثلا سلطنة عمان التي تعتبر الدولة الوحيدة التي تتخذ المذهب الإباضي مذهبا رسميا، مقارنة بباقي الدول الإسلامية، هي الدولة التي لم يتورط مواطنوها في حوادث إرهابية، كما أنها دولة لا تتدخل في الشؤون الداخلية لباقي الدول، وتحافظ على التوازن في علاقاتها مع جميع الدول".
وبحسبه فإن المذهب الإباضي "مذهب ديمقراطي يتبنى قيم الحداثة"، وبخصوص معتنقي هذا المذهب أكد أنه "لا يمكن الحديث عن أرقام رسمية، لكن اعداد معتنقيه تقدر بالعشرات، وهو مذهب ينتشر في صفوف الطلبة ونشطاء الحركة الأمازيغية".
وعن مكان تمركز الإباضيين في المغرب قال "الاباضية لا يوجد لها داعية أو إمام أو مسجد في المغرب، عكس ما هو عليه الأمر في ليبيا والجزائر" لذلك لا يتمركزون في منطقة بعينها، وتابع أن "الاباضيون لا يحرمون الصلاة وراء إمام سني أو شيعي".
ووصف الشعائر الإباضية بأنها "أقرب إلى السنة، والخلاف الأهم هو في الإمامة، أما في الطقوس والعادات لا وجود لخلافات فيها، على عكس ما هو موجود عند الشيعة".
وعما إذا كان يتعرض لمضايقات قال "أنا شخصيا لم أتعرض للمضايقات نهائيا، التخوف الموجود هو من بعض المشاكل، لذلك أتجنب إظهار مذهبي، رغم أن هذا المذهب مسالم، والإباضيون ليسوا مرتبطين بمركز قرار يصدر الأوامر، على عكس الشيعة المرتبطين بكربلاء وقم، والسنة الذين يرتبط السلفيون منهم بالسعودية والإخوان المسلمين بمصر وقطر...".
وبخصوص ما إذا كانت للإباضيين المغاربة علاقات بإباضيي الجزائر وتونس وليبيا قال "العلاقة الأولى هي الانتماء الأمازيغي، فكل إباضيي شمال إفريقيا أمازيغ، والإباضيون جزء من الحركة الأمازيغية، أي أن هناك علاقة ثقافية قبل أن تكون علاقة مذهبية روحية، نلتقيهم حينما يأتون إلى المغرب أو أزورهم أيضا في بلدانهم".