أجرت مجلة زمان في عددها 52 حوارا تحت عنوان "بن بركة أخطا في انتقاد المخطط الخماسي" مع غريغوري لازاريف الذي كان له دور في الاعداد لمشاريع متعلقة بالقطاع الفلاحي بالمغرب لاسيما المخطط الخماسي في عهد حكومة عبد الله إبراهيم، حيث كان من بين مهندسي كتابة الشق المتعلق بالإصلاح الزراعي ضمن "المخطط الخماسي" الذي اقترحه عبد الرحيم بوعبيد لإعادة هيكلة النظام الاقتصادي المغربي وتحقيق استقلاله من التبعية للخارج.
لازاريف، صديق بول باسكون وكاتب النسخة الأخيرة لمشروع "الإصلاح الزراعي" الذي تحول إلى "الإصلاح الفلاحي"، يعود للحديث عن مساهمته في هذا المشروع والتعديلات التي اقترحها ولي العهد الأمير مولاي الحسن على الصيغة النهائية له، وإلى وضعية قطاع الزراعة في المغرب أثناء وبعد الحماية.
يستوقفنا الحوار في اسطره الأولى حيث كان مقام لازاريف بالمغرب يتعلق بعملية إعادة تخطيط القطاع الزراعي المغربي خارج النمط الكولونيالي لكن ما يدعو الى الاستغراب أن كل ذلك كان مقدرا له ان يتم بأطر غير وطنية تدين بانتمائها الثقافي للمستعمر الفرنسي مما يعيد الى الواجهة كلام المهدي بن بركة حيث يؤكد أنه ما يزيد من خضوع النظام القائم ضعفه الذي يضطره لاستجداء المساعدة المالية و الفنية اللتان تساهمان في مزيد من تركيز مصالح الاستعمار الجديد و تبعية المغرب للمستعمر.
وفي الوقت الذي كانت كل القوى الوطنية تصطف وراء الخيار الداعي الى التحرر من براثن المستعمر كان بالموازاة مع ذلك ينسج الطابع اللاوطني للمخطط ويعزى بالأساس الى سيطرة النخبة الفرنسية بمعمريها و أطرها و شركاتها على مختلف دوائر الحياة السياسية و الاقتصادية، مما ادى بشكل أو بآخر الى تحوير بنية و أهداف الإصلاح لإفقاده لمضمونه الذي صيغ من أجله وهنا يؤكدالباحث محمد عابد الجابري في كتابه "المغرب المعاصر الخصوصية و الهوية … الحداثة و التنمية" أن الحكومات الاولى للاستقلال بين الفترة الممتدة من 1960-1958 ركزت جام جهودها لاستعادة السيادة على الخيرات الوطنية غير أن إحتدام الشنئان السياسي وتعارض الإرادات عطل عملية استرجاع الاراضي من يد المعمرين والتي لم تسترجع الا مع بداية السبعينيات.
وسيكون من المفيد اعادة طرح التساؤل الذي شغل الاتحاد المغربي للشغل مند فجر الاستقلال في وثيقة بعنوان "المسألة الفلاحية عمن يمتلك الارض بالمغرب" والإجابة عن هذا التساؤل يختلف حسب الواقع التاريخي..
ففي فترة ما قبل الحماية كانت الوضعية العقارية للأراضي قائمة على فكرة مأداها ان السلطان هو المالك الحقيقي لآراضي البلاد باسرها وهو الذي يعطي حق الانتفاع، ومع بداية التكالب الاستعماري على المغرب عرفت الآراضي التي توجد في ملكية الدولة التي تعرف بـ"بلاد المخزن" تراجع ملحوظ ويعزى ذلك الى استثمار هذه الاراضي في احتواء القبائل المتمردة ومجازاة القبائل الجياشة لقاء خدماتها العسكرية وايضا في اطار عمليات التدجين والاحتواء للعائلات الكبرى و الشرفاء و الزوايا، وكذلك بدأت البنية العقارية تتغير لصالح المعمرين الذين استحوذوا على أجود الأراضي الفلاحية، وبعد سنة عل فرض معاهدة الحماية على المغرب اضحت مساحة الأراضي الفلاحية التي تملكها المعمرون الاوربيون 73054هكتار فيما يقدر مجموع الأراضي التي كانت بحوزتهم غداة الاستقلال بقرابة المليون هكتار.
وعلى ضوء هذه المعطيات المتعلقة بواقع الاراضي الفلاحية بالمغرب و مع ما كان يمثل القطاع الفلاحي من أهمية بإعتباره المشغل الأول لفئات عريضة من المجتمع المغربي، و ارتباط مختلف تمفصلات الاقتصاد الوطني بالموارد الفلاحية انيطت أولوية التركيز على الاصلاح الزراعي قصد تحريك أمثل لدواليب التنمية الوطنية الشاملة وهو ما تنبه له المهدي بن بركة قائلا :إن الاصلاح الزراعي يجب ان يحتل المقام الاول بين كل الأولويات الرامية الى التحرر الكامل من قبضة الاستعمار.
وقد تم تسويق هذا البرنامج الاصلاحي بطريقة مُغَرِّضة حيث يورد عبد الرحيم بوعبيد في مذكراته، "شهادات وتأملات" على ان المخطط قدم بشكل يعطي انطباع على انه سيحول الفلاحة المغربية الى نموذج سوفياتي، بما يعني ذلك من كولخوزات وسوفخوزات كما أن التحريض والدعاية التضليلية التي انتهجتها الفئات التي ستتضرر من مقتضيات الاصلاح الزراعي روجت أن أمر الإصلاح المزمع تنفيذه يعد التفافا على الثوابت الدينية و التاريخية للمغاربة .
ومهما يكن من امر فان باقي المخططات التي سوف يعرفها المغرب بعد اقالة حكومة عبد الله ابراهيم سوف تقوم حسب عابد الجابري على تكريس واقع التعمير الاستعماري، والدولة المغربية لم تعمل سوى على مغربة تركة الحماية الفرنسية بصورة تستجيب لمصالح الفئات الاجتماعية المهيمنة، في حين كان المخطط الخماسي الذي هيئه عبد الرحيم بوعبيد مستمدا من الواقع نفسه و متشبعا بمعالم الخصوصية المغربية مع انفتاحه على باقي النماذج التنموية بباقي دول العالم .