تدعو عريضة أطلقها مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلام أربعة دول إلى الاعتراف بدورها أثناء القصف الذي استهدف قوات الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي (1882 - 1963) وكذلك السكان المدنيين في الريف. ووجهت التماسا إلى مراكز حقوق الإنسان بإسبانيا وفرنسا، وألمانيا والولايات المتحدة.
وبحسب العريضة على مرتكبي هذه "الجريمة اللاإنسانية" الكشف عن مكونات المنتجات المستخدمة خلال حرب الريف (1921-1927)، التي تعتبر السبب الرئيسي وراء انتشار مرض السرطان بين سكان المنطقة.
وقال أصحاب العريضة إنه "من خلال تبني هذا القرار، يريد مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلام مخاطبة الدول المعنية والضمير الدولي، لتذكيرهم بالمأساة الإنسانية الناجمة عن حرب غير عادلة استخدمت فيها أسلحة غير قانونية". وأشاروا إلى أنه "من خلال هذه المبادرة، يسلط المركز الضوء على التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية والتعاون الإسباني ويدعو الحكومة الإسبانية إلى مراجعة موقفها من هذه القضية سياسياً وقانونياً".
في اتصال بموقع يابلادي أوضح رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلام والمنسق السياسي لهذه الدعوة، عبد السلام بوطيب، أن الأنشطة الشهرية للمركز شكلت مساحة للتفكير في هذه المبادرة. وتم إطلاق هذه العريضة عقب عرض كتاب المؤرخ مصطفى ميرون، "التاريخ السري للحرب الكيميائية ضد مناطق الريف وجبالة 1921 -1927"، ويعد هذا الكتاب دليلا تاريخيا على ضلوع الدول الأربع في الحرب، وقال بوطيب:
"نحن مقتنعون أن القصف الكيميائي لحرب الريف ليس فقط مسؤولية إسبانيا. فهو أيضا مسؤولية فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة. ويظهر كتاب السيد ميرون أن هذه الدول لها دور في استخدام هذه الأسلحة الممنوعة بموجب الاتفاقيات الدولية، حيث قدمت الولايات المتحدة الخدمات اللوجستية ووفرت ألمانيا الموارد والمواد الخام لتصنيع الأسلحة".
وأوضح ذات المتحدث أن هذه العريضة تطالب الدول الأربعة ب"تحديد المواد التي تم استخدمها، ليتم تأكيد الرابط الرقمي والعلمي بين هذه الأسلحة والمعدلات المرتفعة لأنواع السرطان في منطقة الريف، وتحديدا سرطانات الحلق والغدة الدرقية".
ويضيف بوطيب قائلا "يجب النظر في إقامة عدالة انتقالية بين الدول، كما يجب معرفة الحقيقة، لتحديد الضحايا وتحديد مسؤوليات الآخرين. كان هذا السؤال جزءا من مطالب الحراك، الذي لم يواصل كفاحه حتى النهاية للأسف".
ولا تعتبر هذه أول دعوة قدمها مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلام لتحديد الأضرار والمسؤوليات في حرب الريف. فقد سبق له أن طالب اسبانيا بتحمل عواقب دورها التاريخي في الحرب، لكن دون جدوى. ويأمل عبد السلام بوطيب أن تتم معالجة الموضوع سياسياً بفضل هذا الالتماس قائلا:
"سنقدم هذا الالتماس لسفراء الدول الأربع وسنرسل خطاباً إلى رئيس الحكومة المغربية".
بدوره قال محمد نشناش، الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان والمنسق العام للعريضة إن الناشطين في المنظمة غير الحكومية التي كان عضواً مؤسساً لها ناشدوا مراراً أصحاب القرار في المغرب والبلدان المسؤولة عن حرب الريف بالنظر في القضية. وقال:
"لطالما أعلنا عن إدانتنا لاستخدام الأسلحة الكيميائية خلال حرب الريف بمساهمة فرنسية ألمانية. لا يخص الأمر فقط المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، بل يخص أيضا الحكومة المغربية وسكان الريف".
ويذكر الدكتور نشناش أن أعضاء بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان نبهوا إلى "الأعداد الهائلة لمرضى السرطان في المغرب والذين يوجد معظمهم في منطقة الريف. لن تختفي آثار الأسلحة الكيماوية إلا بعد عدة قرون. وأكد أيضا أن "اتفاقية لاهاي وجنيف والمؤتمر الدولي حول استخدام الأسلحة الكيميائية تمنعان استخدام الأسلحة الكيميائية في أي نزاع".
وأوضح منسق العريضة أنه سبق أن "طرح هذا السؤال في البرلمان الإسباني، حيث طلب النواب اليساريون إنشاء لجنة لدراسته".
وأضاف "لكن لم تتم معالجة هذا الموضوع من قبل الحكومة الاسبانية المركزية ... وأشار وزير الخارجية الإسباني مؤخرا إلى إمكانية تعزيز البحوث في هذا المجال. وسيهتم مثقفون وأكاديميون إسبان بالموضوع".
ويعتبر محمد نشناش هذه العريضة أكثر من مجرد حملة ضغط، موضحا أن واضعيها يطمحون لدفع الجهات المسؤولة في البلاد لتحمل مسؤوليتها في مناقشة واحدة من أكثر القضايا حساسية في تاريخ المغرب.