في منتصف ليلة 28 نونبر 1960، أعلن المختار ولد داداه زعيم حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني المعروف بقربه من الإدارة الاستعمارية الفرنسية، استقلال موريتانيا قائلا "بناء على الاتفاق الذي عقد بين كل من الجمهورية الفرنسية والجمهورية الإسلامية الموريتانية بتاريخ 19 أكتوبر 1960، وهو الاتفاق المصادَق عليه من لدن برلمانيي الدولتين، أعلِن استقلالَ الجمهورية الإسلامية الموريتانية".
وأضاف "قد تحقق الحلم الذي طالما راود كل موريتاني وموريتانية. وفي هذه العاصمة الوليدة، أدعوكم للاعتراف برمز إرادة شعب كله ثقة بمستقبله".
آنذاك كان قد مر على استقلال المغرب عن فرنسا أربع سنوات، ورأت الرباط في إعلان المختار ولد داداه قيام دولة جديد في بلاد "الشنقيط" مجرد مؤامرة تقف خلفها الإدارة الاستعمارية الفرنسية التي اقتطعت أجزاء كبيرة من التراب المغربي.
المغرب والمطالبة بضم موريتانيا
بعد عودة السلطان محمد الخامس إلى المغرب من المنفى، نشر حزب الاستقلال الذي كان يملك آنذاك نفوذا وتأثيرا كبيرا في البلاد، كتابا أطلق عليه اسم "الكتاب الأبيض" تحدث فيه عن تصوره لحدود المملكة المغربية، وضمت الخريطة جزء كبيرا من الغرب الجزائري وموريتانيا.
وفي تجمع حاشد لحزب الاستقلال سنة 1956 قال علال الفاسي "نطالب بكل أجزاء الإمبراطورية العلوية التي لم تتحرر بعد والتي تبدأ من طنجة شمالا مرورا بالصحراء الغربية وصولا إلى الصحراء والحدود الجزائرية، بشار الاغواط ، ادرار مرورا باطار في موريتانيا وصولا إلى السينغال، وإذا لم تتحرر هذه المناطق فإن من واجبنا أن نقوم بفعل لنحرر وطننا ونوحده".
وفي 27 من شهر مارس من نفس السنة قال "مادام النظام الدولي قائما في منطقة طنجة والصحاري الأسبانية، من جنوب تندوف إلى اطار، وإذا لم تزح الوصاية عن الأقاصي الجزائرية المغربية يبقى استقلالنا مبتورا، وواجبنا الأول هو متابعة العمل من أجل تحرير البلاد وتوحيدها".
ضم موريتانيا للمغرب لم يكن مطلبا لعلال الفاسي وحده، بل إن الملك محمد الخامس كان يطالب أيضا بأحقية المغرب في بسط سيطرته على بلاد شنقيط ففي خطاب ألقاه في 25 فبراير من سنة 1958 أمام جموع من الصحراويين بمحاميد الغزلان قال "إن ما يسعدنا، أن تستقبلنا في قرية محاميد الغزلان التي هي باب الصحراء من قبائل شنقيط، وأن نسمع إليهم ومعهم فقهاؤهم وأبناؤهم وهم يؤكدون لنا كما أكد آباؤهم لجدنا تعلقهم بالعرش العلوي، واستمساكهم بعروة المغرب التي لا انفصام عنها، وإننا نحيي نفوسهم الأبية وعزائمها القوية ونرحب بهم في وطنهم وبين أهلهم ونؤكد لهم بدورنا وليبلغ الشاهد الغائب أننا سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لإسترجاع صحرائنا وكلما هو ثابت بحكم التاريخ ورغبة السكان".
وفي 28 مارس من سنة 1958 استقبل محمد الخامس وفدا من الشخصيات الموريتانية الموالية للمغرب، تكون من محمد ولد باه والداي ولد سيدي بابا والشيخ احمدو ومحمد ولد عمير، وهو ما أثار في حينه حفيظة السلطات الفرنسية، التي احتجت رسميا لدى السفارة المغربية في باريس.
ومارس حزب الاستقلال ضغوطا لتضمين مطالبه في دستور سنة 1961، وهو ما كان له حيث نصت الوثيقة الدستورية على على ضرورة توحيد الأراضي المغربية.
الحرب الدبلوماسية
وبينما كانت فرنسا تعد العدة لإعلان استقلال موريتانيا، كثف المغرب من تحركاته الدبلوماسية، وقام الملك محمد الخامس بحسب ما جاء في مجلة زمان بجولة في دول الشرق الأوسط استمرت شهرا كاملا، تمكن من خلالها من ضمان تأييد الدول العربية باستثناء تونس للمطالب المغربية، وفي 20 غشت وجه المغرب طلبا إلى الأمم المتحدة من أجل إدرا القضية الموريتانية على جدول لأعمال، باعتبارها قضية تمس التراب الوطني.
وبعد إعلان المختار ولد داداه استقلال موريتانيا عن الحماية الفرنسية في 28 نونبر 1960، بقيت الدولة الوليدة معزولة عن محيطها العربي، إذ ساندت جميع الدول العربية باستثناء تونس المملكة المغربية.
وفي 3 دجنبر من سنة 1960 استخدم الاتحاد السوفياتي حق النقض الفيتو ضد الطلب الذي تقدمت به فرنسا للاعتراف بموريتانيا كدولة مستقلة، وقبول عضويتها في الأمم المتحدة. ولم يكن الموقف السوفياتي نابعا آنذاك من قناعة بوجاهة المطالب المغربية، بل كان يدخل في إطار حسابات بين الكتلتين الشرقية والغربية.
وكان الفيتو السوفياتي راجعا إلى رفض دول الكتلة الغربية انضمام دولة منغوليا الشيوعية إلى الأمم المتحدة، وما إن قبلت الكتلة الغربية بالاعتراف بمنغوليا حتى غير السوفياتيون موقفهم، وتم الاعتراف بالدولتين معا في 27 أكتوبر 1961.
وصوت لصالح قبول عضوية موريتانيا في المنظمة الدولية 68 دولة، فيما عارضت ذلك 17 دولة عربية إضافة إلى كوبا وغينيا، وامتنعت 20 دولة عن التصويت.
الاعتراف المغربي بموريتانيا
بعد انضمام موريتانيا للأمم المتحدة أصبح الموقف المغربي ضعيفا، وقررت العديد من الدول التي دعمته الاعتراف بالدولة الحديثة، وهو ما حدى بصناع القرار في المملكة إلى مراجعة مواقفهم.
يحكي المختار ولد داداه في مذكراته التي عنونها بـ"موريتانيا على درب التحديات" أنه "في شهر أكتوبر من عام 1967 التقيت لأول مرة بصورة مباشرة بوزير مغربي في برلين خلال زيارة عمل قمت بها لجمهورية ألمانيا الاتحادية. ويتعلق الأمر بالسيد مولاي أحمد العلوي ابن عم الملك وأحد معاونيه المقربين".
ويضف ولد داداه أن سنة 1969 كانت "سنة تطبيع العلاقات المغربية الموريتانية. فخلال القمة السابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية المنعقدة بأديس أبابا في بداية شهر شتنبر، استقبلت السيد الطيب بنهيمة وزير الخارجية المغربي بناء على طلب منه، وخاطبني قائلا: "جئت مبعوثا من صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني لأؤكد لكم عزمه على استدعائكم لحضور القمة الإسلامية بالرباط. ويتمنى جلالته من صميم قلبه أن تقبلوا الحضور ما سيسمح لكما بإنهاء الخلاف العارض القائم بين بلدينا الشقيقين". وكان جوابي أنني إذا تلقيت من الملك دعوة مماثلة لتلك التي سيوجها إلى رؤساء الدول المدعوة لحضور المؤتمر فأسرد عليها بالإيجاب وبكل سرور".
ويتابع أول رئيس لموريتانيا أنه في 22 شتنبر من سنة 1969 "هبطت بمطار الرباط، وحين رأيت الملك الحسن الثاني محاطا بلجنة الاستقبال عند سلم الطائرة التي تقل وفدنا، وعلمنا يرفرف إلى جانب العلم المغربي وسط الأربعين من أعلام مختلف الدول الإسلامية، ثم استمعت إلى نشيدنا الوطني يردده الجوق المغربي خلال استعراضي مع الملك وحدة من القوات المسلحة الملكية، خامرني شعور بالارتياح والعزة قلما شعرت به".
وتقرر على هامش القمة تطبيع العلاقات بين البلدين، وعين الحسن الثاني قاسم الزهيري سفيرا للمغرب في نواكشوط، فيما تم تعيين أحمد ولد جدو سفيرا لموريتانيا في الرباط.
وفي الثامن من شهر يونيو من سنة 1970 وقع الحسن الثاني والمختار ولد داداه اتفاقية تعاون وحسن جوار بين البلدين، معلنين بذلك وضع حد للخلاف بين البلدين.
وفي سنة 1973 أصبحت موريتانيا عضوا في الجامعة العربية، وهو ما دفع أول رئيس موريتاني إلى القول في مذكراته "موريتانيا لم تستقلَّ فعليا إلا سنة 1973".