لازال حزب العدالة والتنمية يعاني من ارتدادات اعفاء الملك محمد السادس لعبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة، ففي لقاء حزبي عقد قبل أيام أقر هذا الأخير بأن حزبه يمر بمرحلة هي الأصعب منذ تأسيسه، مضيفا أن فئات واسعة من المجتمع لم تتقبل إعفاءه من رئاسة الحكومة.
وألمح بنكيران في حينه إلى إمكانية بقائه على رأس الحزب، متحدثا عن أطراف من داخل الحزب وخارجه تلح عليه بالبقاء في المشهد السياسي المغربي.
تصريحات بنكيران هاته جاءت في وقت يستعد فيه الحزب لعقد مؤتمره الوطني الثامن، وهو المؤتمر الذي سيتم فيه اختيار أمين عام جديد، أو التمديد له لولاية ثالثة.
ويواجه مقترح استمرار بنكيران على رأس الحزب لولاية ثالثة، صعوبات قانونية وحزبية، حيث تنص مادة 16 من النظام الآساسي للحزب على "أنه لا يمكن لعضو أن يتولى إحدى المسؤوليات أكثر من ولاتين متتاليتين كاملتين"، كما أن العديد من قياديي الصف الأول في الحزب يعارضون التمديد له لولاية ثالثة.
وسيحاول أنصار بنكيران تدارك العائق الأول المتمثل في القانون الأساسي للحزب، خلال انعقاد دورة المجلس الوطني للحزب المقررة في 15 يوليوز الجاري، حيث تنص المادة 23 من قانون الحزب على أنه من صلاحيات المؤتمر "المصادقة على النظام الأساسي للحزب وتعديله عند الاقتضاء"، غير أن ذلك لن يحظى بدعم عدد من الوجوه البارزة في الحزب.
ولاية ثالثة..طريق شائك
دشنت شبيبة حزب العدالة والتنمية قبل أيام حملة المطالبة ببقاء عبد الإله بن كيران، على رأس الحزب لولاية ثالثة، وجاء في بيان للمكتب الوطني للشبيبة أن على الأمين العام "الاستمرار في ممارسة أدواره الوطنية حالا ومستقبلا باعتباره أملا لفئات واسعة من الشعب المغربي التي آمنت بمنطق الإصلاح في ظل الاستقرار".
بالموازاة مع ذلك قام العديد من أعضاء المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بمراسلة سعد الدين العثماني رئيس المجلس، وطالبوه بتعديل النظام الأساسي للحزب لكي يتسنى لبنكيران الاستمرار كأمين عام لولاية ثالثة.
فيما اختار أعضاء آخرون أن يعبروا عن موقفهم الداعم لعبد الإله بنكيران عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهكذا كتب حسن حمورو عضو المجلس الوطني "الوقوف في وجه ولاية ثالثة للأخ الأمين العام، تقف خلفه استجابة غير مشروطة لرغبة "التحكم"، مغلفة بمبررات العجز والخوف، هذه المبررات تستند الى ثقافة تقليدية ورجعية أيضا تؤله الدولة وتستصنم التنظيم/الجماعة".
من جانبه كتب عبد اللطيف سودو نائب عمدة مدينة سلا عضو المجلس الوطني لحزب المصباح أن "من يعتقد أن من يؤيد مقترح ولاية ثالثة لعبد الإله ابن كيران هو تمديد لشخص الأمين العام أو تمجيد له أو مشيخة من طرفه فهو واهم".
وتابع "لم أزره في بيته و لم أهاتفه و لا أعبد الأشخاص .. لكن أريد لحزبي أن يبقى مرفوع الرأس و أريد من يقود الحزب ضد التحكم و ضد الفساد و الإستبداد".
فيما اختارت القيادية بالحزب أمينة ماء العينين مهاجمة منتقدي موقف شبيبة الحزب الداعم لاستمرار بنكيران أمينا عاما وكتبت "بلاغ الشبيبة قرار مؤسسة. لنحترم قرار المؤسسة لدعاة الانتصار للمؤسسات لا الأشخاص".
عهد بنكيران انتهى...
تواجه حملة استمرار بنكيران على رأس الحزب صعوبات داخلية، إذ أن طريق تعديل القانون الأساسي للحزب سيكون شائكا ومعقدا. إذ سبق لقياديين بارزين في الحزب مثل محمد يتيم وعزيز الرباح أن لمحوا في تصريحات إعلامية إلى رغبتهم في اختيار أمين عام جديد.
واقترح أحمد الشقيري الديني عضو المجلس الوطني للحزب في تدوينة على الفايسبوك إحداث مجلس "حكماء الحزب" برئاسة بنكيران، مقابل تركه لمنصب الأمين العام.
وقال الشقيري إن قرار الإعفاء "كان وقعه شديدا على الأمين العام والحزب والشعب الذي كان يرى في بنكيران صوته العميق، لكن الواقع لا يرتفع، فبنكيران سيواجه إعفاء آخر بعد بضعة شهور في المؤتمر المقبل بعد ولايتين لا يسمح القانون بتجاوزهما، وهو ما أشار إليه في كلمته أمام مستشاري الحزب ونشرت بالأمس".
وذهب الشقيري إلى حد الحديث عن أن تخلي بنكيران عن الأمانة العامة أمر محسوم وأن الحزب سيواجه "رجة ثانية"، مضيفا "ولا ندري أي موقع سيشغره بنكيران ليستفيذ الحزب من خبرته وقوته وحكمته وصدقه وبلائه؟".
واقترح "التفكير في إنشاء مجلس حكماء الحزب يكون له دور استشاري، لأن الجيل المؤسس بعد ولاية أو ولايتين مطلوب منه أن يترك المجال للجيل الثاني والثالث ليقودوا معركة الإصلاح، فنحن في الحزب التزمنا الديمقراطية والمرجعية الإسلامية، وكلاهما يناقض ثقافة المشيخة والزعامة الخالدة".
وختم تدوينته بالقول إن من "تأمل الأمراض التي أصابت التنظيمات الإسلامية يجد أصولها من الزعامات الخالدة".
حركة التوحيد والإصلاح ليست بمنآى عن الخلاف
الخلاف حول استمرار بنكيران على رأس الحزب من عدمه انتقل إلى حركة التوحيد والإصلاح التي تعتبر الذراع الدعوي للحزب، وقال محمد الهيلالي عضو المكتب التنفيذي للحركة، "من يحب ابن كيران يقل له الحقيقة كما هي لا كما يحب أن يسمعها".
وتابع الهلالي الذي يعتبر عضوا في المجلس الوطني للحزب أيضا أنه "عندما تحرر ابن كيران من المطيعية، (في إشارة إلى عبد الكريم مطيع مؤسس الشبيبة الاسلامية) المبنية على الريبة من كل شيء، والشك في الجميع، حرر المنهج، وبنى المشروع، وارتقى إلى زعيم تاريخي، وليس فقط إلى زعيم مرحلة معينة"، في إشارة ضمنية لحديث بعض أعضاء الحزب عن الإعداد لمؤامرة داخل الحزب من أجل إبعاد بنكيران.
وأضاف الهلالي في تدوينته التي جاءت كرد ضمني على بلاغ شبيبة الحزب "إذا أغراه (بنكيران) بعض الحواريين بالرجوع إلى بعض أخلاق المطيعية، وهي الشك حتى في المقربين، سوف يبقى زعيما من دون شك، لكن لمرحلة فقط، وسوف يسهم من دون شك في هدم كل ما بناه في أربعين سنة في لحظة واحدة".
هذا، وسبق لأحمد الريسوني عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، ورئيسها السابق أن عارض في تصريحات إعلامية وبشدة التمديد لولاية ثالثة لبنكيران، وقال "رغم أنه لا دخل لي فيما يجري من نقاشات داخل حزب العدالة والتنمية، لكن من حيث المبدأ أنا ضد التمديد لابن كيران، وبشكل تام وقاطع، وقد كنت ضد التمديد له لسنة واحدة فقط".
وتابع "فكرة تغيير القانون لأجل شخص هي سنة بن علي ومبارك وعلي عبد الله صالح، لذلك أربأ بالأستاذ بنكيران أن يقبلها، أو يمضي فيها"، مضيفا "أنا ضد هذا السلوك وهذا الاحتيال والانقلاب على القوانين من أجل شخص معين".
وزاد قائلا "أظن أن التمديد لابن كيران لن يقع، وأظن أنه بدوره لن يقبل ذلك، وسيبتعد عنه".