ومن بين هؤلاء، عبد السلام التمسماني، الذي استحضر في حديثه لوكالة المغرب العربي للأنباء الصعوبات التي واجهت المسلمين في بداية حضورهم في المجتمع النرويجي، حينما لم يكن لديهم مكان معين لإقامة الصلاة في الأيام العادية والأعياد وللالتقاء في بلد أغلب مواطنيه مسيحيون.
وأكد التمسماني، الذي اشتغل في المكتبة الوطنية بالنرويج، أن مسجد "التوبة" الذي ساهم في بنائه رفقة مغاربة النرويج، يعتبر أول مسجد مغربي في المنطقة الاسكندنافية، أي في بلدان السويد والدنمارك وأيسلندا والنرويج.
وأشار إلى أنه تم إحداث مؤسسة مسجد "التوبة"، الذي يعد أيضا أول مسجد للمسلمين في أوسلو، سنة 1974 ليشكل آنذاك نموذجا يحتذى لباقي الجاليات المسلمة في هذا البلد الاسكندنافي.
ولأن المغاربة يحبون أن يكون المسجد أحد ملاذاتهم في الغربة، فقد اهتدوا سنة 1974 إلى كراء قاعة وسط العاصمة النرويجية، في منطقة "غرونلاند" الشهيرة، حيث شكلت محضنا لجميع المسلمين بالبلاد، وتأسست بالتالي فكرة مسجد التوبة الذي أصبح آنذاك أول مسجد مغربي في المنطقة الاسكندنافية.
وشكلت جمعية العمال المغاربة بالنرويج، التي رأت النور سنة 1973، الانطلاقة الأولى لعمل مغاربة أبوا إلا أن يسجلوا أسماءهم في تاريخ هذا البلد من خلال تشييدهم مسجدا جامعا يؤم إليه جميع المسلمين من مختلف الأصول.
وكانت فكرة المسجد إيذانا بنهاية مرحلة كان يقتصر فيها المسلمون على الصلاة في المنازل أو الالتقاء بمناسبة عيدي الفطر والأضحى في مكان للاجتماعات يكترونه من اتحاد النقابات النرويجية من أجل تأدية صلاة العيد.
وفي سنة 1977 ، تم التفكير في بناء مسجد تشترك فيه كل الجاليات ليشكل مكانا قارا للصلاة، حيث تم الاتفاق مع بلدية أوسلو على منحهم مجانا أرضا لتشييد مسجد جامع بإشراف جميع الجاليات المسلمة، إلا أن الصعوبات التي لقيتها الجالية في جمع التبرعات أدت إلى تأخير المشروع.
ومع صعود موجة اليمين المتطرف في تلك الفترة، تم التراجع عن منح الأرض، وبالتالي تبخر حلم بناء مسجد يبنى بمساهمة جميع الجاليات.
وفي إطار الانفتاح الواعي للجالية المغربية، بدأت سنة 1991 لبنات بناء مسجد التوبة الحالي، الذي انتقل من "غرونلاند" إلى منطقة "لاكيكاطا"، وسط العاصمة أوسلو والذي يعتبر من أكبر المساجد مساحة وأكثرها تجهيزا بفعل التضحيات التي قدمها المغاربة خاصة الذين قدموا إلى هذا البلد الاسكندنافي خلال أواخر ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي.
ويستحضر عبد السلام التمسماني هذه الفترة بكثير من الانبهار، مبرزا بالخصوص التضحيات التي بذلتها النساء المغربيات والتي كانت محل تقدير الجميع، حيث باعت العديد منهن حليهن من أجل تمويل مشروع المسجد، لكي لا تتكرر خيبة أمل سنة 1974.
وكان المبنى الذي وقع عليه الاختيار في حالة غير مناسبة، مما جعل المتطوعين المغاربة يساهمون في إصلاحه، كل حسب جهده، ليفتتح رسميا سنة 1992.
وبحسب التمسماني، فإن أكثر من 3300 شخص منخرطون في المسجد، وذلك وفق النظام المتبع في النرويج حيث تشرف جمعية على إدارة المسجد الذي يضم قاعات للصلاة خاصة بالرجال وأخرى للنساء، ومدرسة لتعليم اللغة العربية والقرآن الكريم، ومرافق أخرى.
ولكونه يتمتع بإشعاع كبير في البلاد ولتجربته الأولى في احتضان المسلمين، فإن العديد من المغاربة القاطنين في مدن أخرى في شمال البلاد مسجلون ضمن المستفيدين من المسجد والمنتمين للجمعية التي تشرف عليه، خاصة أنه يقوم بتحديد أوقات الصلاة وفقا للتقويم المعمول به على مستوى المغرب.
وفي هذا الصدد، يقول محمد أزواغ، وهو أحد المشرفين على تسيير المسجد، إن هذا الأخير لا يعد فقط مكانا للصلاة، وإنما مؤسسة دينية تعليمية واجتماعية ذات أهداف نبيلة.
وأوضح السيد أزواغ أن أكثر من 200 تلميذ يتابعون دراسة اللغة العربية ومبادئ الإسلام يومي السبت والأحد، ومن مختلف الجاليات المسلمة في البلاد، إيمانا بأنه ينبغي أن يكون للمسجد إشعاع تربوي وروحي وتعليمي.
ولم ينحصر دور المؤسسة في المجال الديني والتعليمي، بل إن المتطوعين المغاربة يقومون بتنظيم مبادرات تضامنية وإنسانية لفائدة اللاجئين السوريين، والإشراف على شعائر الاحتفال بعيد الأضحى.
كما يتم بمناسبة شهر رمضان الكريم تنظيم مسابقات في حفظ وتجويد القرآن الكريم، وإفطارات يومية، وهو تقليد دأب عليه المسجد منذ 20 سنة.
ويؤكد المشرفون على هذه المعلمة الدينية في أوسلو أن العديد من المساجد المغربية بالعاصمة وأخرى لجاليات مسلمة أخرى انبثقت من داخل "التوبة"، مشيرين إلى أنه لا فرق بينها من حيث المسارعة إلى الخيرات، وهناك تضامن وتنسيق في العديد من القضايا المشتركة.