بعدما تولى الحسن الثاني الحكم في المغرب خلفا لوالده محمد الخامس الذي وافته المنية سنة 1961 إثر خضوعه لعملية جراحية بسيطة أثيرت حولها العديد من التساؤلات، تسارعت الأحداث بشكل كبير في المغرب الذي كان خارجا من الاستعمار لتوه، ففي سنة 1962 تم التصويت على الدستور الذي جاء به الملك الحسن الثاني، ووقفت ضده المعارضة التي كان يقودها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
وفي سنة 1963 تم تنظيم أول انتخابات في تاريخ المغرب، وفي السنة الموالية قدمت المعارضة ملتمسا لإسقاط حكومة با حنيني، التي كانت مشكلة من أحزاب معروفة بولائها للقصر.
وفي شهر غشت من ذات السنة عقدت نقابة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب مؤتمرا دعت فيه صراحة إلى إسقاط نظام الحسن الثاني، قبل ذلك كان نشاط النقابة الطلابية قد امتد إلى الثانويات وتنامت نضالية شباب المدارس، فاستشعر النظام المغربي الخطر، وصدر ظهير في 21 يونيو 1963 يمنع على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من تنظيم التلاميذ.
وفي شهر فبراير من سنة 1965 أصدرت وزارة التعليم دورية كانت بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، حيث حاولت الوزارة من خلال هذه الدورية تقنين سن الالتحاق بالسلك الثاني الثانوي للتلاميذ الذين يبلغ عمرهم أقل من 17 سنة وإحالة ما فوق 17 سنة على التعليم التقني.
وقوبلت هذه الدورية برفض كبير من قبل المشتغلين في قطاع التعليم وأيضا من التلاميذ والطلبة، وبدأت الاحتجاجات في 22 مارس من سنة 1965 في مدينة الدار البيضاء، غير أنها ما لبثت أن اتسعت لتشمل مدن أخرى كمراكش ومكناس وتاونات وفاس..
ويوم 23 مارس 1965 أعطى الحسن الثاني أوامره للجيش من أجل التدخل ووضع حد للمظاهرات، وسقط العديد من القتلى وامتلأت سجون المملكة بأولائك الذين اعتبرهم الحسن الثاني رؤوس الفتنة.
حالة الاستثناء
بعد ثلاثة أشهر من هذه الأحداث وبالضبط في 7 يونيو 1965 ألقى الحسن الثاني خطابا أعلن فيه حالة الاستثناء وحل البرلمان، وفق ما ينص عليه دستور المملكة آنذاك في فصله 35، غير أن الوثيقة الدستورية لم تحدد مدة حالة الاستثناء، وهو ما يعني إطلاق يد الملك لحكم البلاد منفردا لمدة طويلة. وجاء في خطاب الملك :
"...لم نجد الأغلبية العددية التي تكون الأداة البرلمانية اللازمة لقيام حكم مستقر. وبدون الائتلاف الوطني وأمام عدم توفر البرلمان على أغلبية، وجدنا أنفسنا أمام خيارين.
...وتأكدنا أن التلاعب في المؤسسات التمثيلية وجمودها، لن يؤدي إلا للنفور من الديمقراطية والحكم عليها. في حين أنها مكسب من مكاسب شعبنا نحرص على صيانتها لتوفير الشروط لمزاولتها.
وهكذا وجدنا أنفسنا أمام حلول كان لا بد من انتفاء أنسبها لتدارك الوضع. كان في إمكاننا أن نتغاضى تاركين البرلمان يسير في الطريق السلبي الذي سار فيه. ولكن لم يرتح ضميرنا لهذا الحل. لم يرتح لما نحن مطوقون به من مسؤولية السهر على حقوق المواطنين والجماعات والهيئات. لم نرتح لما كلفنا به الدستور من أعباء ومهمات بوصفنا ملك البلاد، ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها. وكان في إمكاننا كذلك أن نعيد تشكيل حكومة لنتركها تجرب حظها في الظفر بالسند البرلماني. ولكننا مؤمنون على ضوء ما أسلفناه بأن أية حكومة، لن تظفر بسند برلمان انقسم على نفسه، ولم يعد يتوفر على أغلبية عددية واعية بمسؤوليتها. ولم نرد أن نجازف بالبلاد في عهد من الحكم عديم الاستقرار. ولم نر من المعقول أن نعدد تجارب الحكومات الفاقدة السند الحكومي. مفضلين أن لا نقذف بمصالح الدولة والشعب في سلسلة من التجارب العقيمة التي تفضي إلى تدهور أوضاع الدولة إداريا واجتماعيا، واقتصاديا. ولن يترتب عنها إلا أسوأ الأثر على الضمير الخلقي لشعبنا، وأوخم العواقب على سمعة وطننا.
...لقد وضعنا طابعنا هذا اليوم على المرسوم الذي يعلن حالة الاستثناء، على أن تتخذ وإلى حين عودة المؤسسات البرلمانية إلى سيرها الطبيعي، جميع التدابير التشريعية والتنظيمية اللازمة لتسيير شؤون البلاد.
إن حالة الاستثناء لن يترتب عنها المساس بالحريات الفردية التي ضمنها الدستور. وسيظل المجال فسيحا لنشاط الأحزاب والمنظمات النقابية لمواصلة عملها المشروع، دون أي انتهاك للقانون الذي يجب أن يحترم سلطته".
وأعلنت جل الهيئات السياسية رفضها لقرار الاستثناء الذي أعلن عنه الملك، ومن أبرزها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بل إن محسوبين على القصر عارضوا قرار الحسن الثاني ومنهم عبد الكريم الخطيب، الذي كان وقتها رئيسا لمجلس النواب باسم الحركة الشعبية، حيث أعلن عن رفضه للقرار واستقال من الحركة الشعبية احتجاجا، قبل أن يعود لتأسيس الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، والتي فتح بعد ذلك أبوابها للحركة الإسلامية، التي ولد من رحمها حزب العدالة والتنمية.
استمر الحسن الثاني في تسيير البلاد منفردا لخمس سنوات، وفي 31 يوليوز من سنة 1970 قرر إعادة الحياة السياسية للبلاد، وإجراء انتخابات تشريعية لانتخاب برلمان جديد، لكن وبعد سنة واحدة سيصبح عرش الملك الحسن الثاني مهددا أكثر من أي وقت مضى إذ شهدت البلاد محاولة انقلابية فاشلة سنة 1971، وفي السنة التي تليها حاول عسكريون مرة أخرى إسقاط نظام الحسن الثاني غير أنهم فشلوا في ذلك.