بحلول السادس من شهر شتنبر تحل ذكرى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، وهو الاتفاق الذي وقع سنة 1991 وأنهى حربا امتدت لـ 16 سنة، خلفت أعدادا غير معروفة من الضحايا في صفوف الجانبين.
قبل توقيع الاتفاق
في 14 نونبر من سنة 1975، وقعت كل من إسبانيا والمغرب وموريتانيا في مدريد اتفاقا ثلاثيا يمهد لخروج إسبانيا من الصحراء وتقسيمها بين المغرب وموريتانيا (الساقية الحمراء للمغرب ووادي الذهب لموريتانيا).
وفي 27 فبراير من عام 1976 أعلنت جبهة البوليساريو عن تأسيس ما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية" وذلك بعد يومان من إكمال القوات الأسبانية انسحابها من الصحراء. واعتبرت الجبهة التواجد المغربي والموريتاني في الصحراء بمثابة "احتلال"، وبدأت بشن حرب عصابات بدعم جزائري ليبي، وركزت هجوماتها في سنوات الحرب الأولى على موريتانيا بوصفها الحلقة الأضعف في الصراع.
وفي 10 يوليوز من سنة 1978، وقع انقلاب عسكري بموريتانيا أطاح بالرئيس المختار ولد داداه الذي كان يعتبر حليفا للمغرب، ليصبح بعد ذلك قائد أركان الجيش الموريتاني المصطفى بن محمد السالك رئيسا للبلاد، وقرر حكام نواكشوط الجدد آنذاك التنصل من الالتزامات التي وقعت عليها موريتانيا في مدريد، ووقعوا اتفاق سلام مع جبهة البوليساريو، حيث تم الإعلان رسميا عن انسحاب موريتانيا من الاتفاقية، وأمر صناع القرار في نواكشوط بعد هذا الاتفاق قواتهم العسكرية بالانسحاب من إقليم وادي الذهب وتركه لميليشيات البوليساريو.
وأمام هذا الوضع الجديد الذي فرض على أرض الواقع كان لزاما على المغرب التحرك سريعا، وقامت القوات المسلحة الملكية، بالدخول إلى إقليم وادي الذهب وإفشال مخطط البوليساريو وحليفتها الجزائر. وبعد انسحاب موريتانيا من النزاع، ركزت جبهة البوليساريو كل هجماتها على الجيش المغربي.
ظروف توقيع الاتفاق
كانت جبهة البوليساريو عند تأسيسها ترفع شعار "بالبندقية ننال الحرية"، حيث ركزت في سنواتها الأولى على الحل العسكري، لكن مع مرور السنوات بدأت الجبهة تؤمن بعدم جدوى الحرب خصوصا مع بروز ظروف جديدة، دفعت الجبهة الانفصالية مكرهة إلى قبول توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الأمم المتحدة. ويمكن تلخيص هذه الظروف في ثلاثة عوامل رئيسية:
بدأ الجيش المغربي سنة 1980 في تشييد جدار رملي عازل، لإحكام المراقبة وضبط الحدود، وتم إقراره كمنطقة عازلة في عهد الملك محمد السادس كمبادرة حسن نية ومقدمة للمبادرة المغربية بشأن التفاوض من أجل الحكم الذاتي.
ففي سنة 1987 أنهت القوات المسلحة الملكية المغربية بناء آخر شطر من الجدار الأمني، الذي بلغ طوله 2500 كيلومتر، حيث استطاع المغرب بعد ذلك تحقيق السيطرة الميدانية والتحكم في زمام الأمور.
وتمكن الجدار الأمني المغربي من إنهاء حرب العصابات التي كان يشنها مقاتلو البوليساريو، وكانت آخر المعارك التي شنها مقاتلو البوليساريو عام 1989 في كلتة زمور، وأسفرت المعركة عن مقتل نحو مائة من مقاتلي الجبهة.
أما العامل الثاني فيتجلى في التحولات الدولية التي شهدها العالم، خاصة مع بداية انهيار المعسكر الشرقي، وسقوط جدار برلين، وهو ما ساهم في تراجع الدعم المادي والعسكري والدبلوماسي للجبهة الانفصالية.
وبخصوص العامل الثالث فيتلخص في الصراع السياسي الذي شهدته الجزائر في تلك السنوات، والذي انتهى بعد ذلك إلى صراع مسلح أودى بحياة مئات الآلاف من الجزائريين.
توقيع الاتفاق
في السادس من شهر شتنبر تم توقيع اتفاق إطلاق النار بين المغرب و جبهة البوليساريو بناء على مبادرة التسوية التي أطلقتها الأمم المتحدة، هي الخطة التي كان المغرب سباقا للموافقة عليها، قبل أن تبادر جبهة البوليساريو إلى الانخراط فيها.
بعد ذلك أصدر مجلس لأمن الدولي قراره عدد 690 سنة 1991، القاضي بإنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية وفقا لتقرير الأمين العام (S/22464) والذي فصّل بشكل أكبر خطة التنفيذ.
واقتصرت المهمة الأساسية لبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء منذ ذلك الوقت على التحقق من وقف إطلاق النار ووقف عمليات القتال. وأنشئ مقر البعثة في العيون كما أنشئ مكتب اتصال أيضا في تندوف لمواصلة الاتصال مع السلطات الجزائرية وجبهة البوليساريو.