وقد الفنا أنه كلما ذهب قائد نبدأ بالتساؤل حول التغيير الذي سيطرأ بعد رحيله على مستوى التوجهات و القيادة في الحركة او الدولة. و كمهتمين و معنيين بنزاع الصحراء، و بعد ان غيب الموت زعيم جبهة البوليساريو التي تنازع المغرب السيادة حول الصحراء، نتساءل ما الذي سيطرأ؟.
من حيث المبدأ نعلم ان مشروع الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصارا بجبهة البوليساريو مبني على هدف تحرير اﻻرض لترسيخ مشروع دولة الجمهورية الصحراوية التي تاسست و بلغت اﻻربعين فوق التراب الجزائري. مما يعني ان الجبهة ستستمر ما دام التحرير لم يحصل، و مشروع الدولة باق في المنفى، تحت رعاية و عين الجزائر.
و نعلم ان عبد العزيز و من ورائه الجزائر عمدوا الى جعل فكرة الجبهة الممثل الشرعي و الوحيد للصحراويين خطا احمرا، ﻻستمرارها تنظيما واحدا اوحدا ﻻ شريك له في الساحة الصحراوية المتنازع عليها. و لتحقيق تلك الغاية اعتمد الزعيم سياسة اقصائية صارمة تجاه منافسيه و مناهضي تبعية القرار الصحراوي للإرادة الجزائرية الحليفة و الداعمة. استخدام كل ادوات الترهيب و الترغيب، لاجبار معارضي حكمه على ترك المخيمات او اﻻستسلام و الخضوع ﻻرادته.
و لاضفاء نوع من المشروعية على حكمه الذي تجاوز اربعة عقود، خاصة بعد اﻻنفتاح الذي شهده العالم عقب انهيار جدار برلين و تهاوي المعسكر اﻻشتراكي عموما، ابتكر لعبة ديمقراطية داخل المخيمات تلهي الشارع و توهمه بالمشاركة في السلطة. و بقدر ما كانت ديمقراطية اﻻنتخابات التي بدات في المخيمات منتصف التسعينات، رغبة من الزعيم في تزكية بقائه في السلطة مدى الحياة بالتجديد الدوري لوﻻيته، كانت ايضا العظم الذي يغري قيادات الصف الثاني و الطامحين في تسلق سلم السلطة على دخول حلبة المنافسة للظفر بصفة قيادي لن تسمن و لن تغني من جوع ما دام الزعيم يحوز كل السلط و يحتكر كل المنافع يوزعها على من يخدم اجندته و ارادته.
و ما دام التنظيم حكرا على الجبهة، و المنافسة اﻻنتخابية تستدعي و تستلزم قواعد انتخابية، لم يبق من هامش لدى المتنافسين غير القبيلة و فروعها، و هو ما سيحقق للزعيم غاية تفرقة المنافسين و المتنافسين بتفرق الدم الذي ينحدرون منه. فنجح في تقزيم كل القيادات بارتمائهم في احضان القبيلة الصغيرة الحجم ليبقى الكبير الذي تنتخبه كل القبائل. و بذلك عمق اﻻنقسام داخل شارع المخيمات لدرجة زرع العداوة و اﻻحقاد بين جميع قبائله، مما يسر له اﻻستفراد بالسلطة، على حساب قيادات قبلية ضعيفة و غير متجانسة.
و لم يكن رحيل زعيم البوليساريو مفاجئا، فقد غيبه المرض قبل ان تغيبه الوفاة. و تهيأت الحركة لرحيله منذ مؤتمرها اﻻخير نهاية السنة الفارطة، و مهد الزعيم بنفسه الطريق لخلافته بالتعيينات التي اعقبت المؤتمر، من خلال ابعاد بعض القيادات و تقريب بعضها اﻵخر من دائرة التحكم لتمرير خلافة سلسة تضمن استمرارية النهج الذي يريده داعمو عبد العزيز الراحل.
ابعد اقوى رجل في رقيبات الشرق وزير الدفاع القوي محمد لمين البوهالي عن الجيش و عين في وزارة هامشية بالكاد لها مقر وموظفين يعدون على اصابع اليد. و ترك البشير مصطفى السيد اقوى رجل في رقيبات الساحل في كراج رئاسة الجمهورية في مهمة صورية ( مستشار ) ﻻ يدير فوق شخصه حتى ﻻ يكون له تاثير في التغيير الوشيك. بينما ابقي على رئيس الحكومة عبد القادر الطالب عمر و البرلمان خطري آدوه لتسيير المرحلة اﻻنتقالية بصفتهما غير مؤهلين قبليا للمنافسة على الرئاسة، و داعمين لاستمرار توجهات و سياسات الزعيم الراحل التي ابقتهم في الصف اﻻول رغم وجود اندادهم من القبائل غير الرقيبات.
و اسندت ادارة المنظمة الى براهيم غالي ابن مدينة السمارة القيادي الوحيد النازح من اﻻقليم المتنازع عليه القادم من سفارة الجبهة في الجزائر.
و قد يتوهم البعض ان الجزائر غائبة عن كل هذه التحضيرات، لكنها الحاضر الكبير في كل صغيرة و كبيرة. فقد اضحى من المؤكد ان غالي ولد سيد المصطفى اول امين عام للجبهة ووزير دفاعها حتى وقف اطﻻق النار الذي عاد الى الواجهة من سفارة الجبهة في الجزائر الى رئيس ادارة الحركة بعد المؤتمر اﻻخير، قد عاد لتسلم دفة الحكم بعد الزعيم.
و قد يقول البعض كيف ان تقبل الجزائر بزعيم للبوليساريو من غير صحراويي الجزائر. و الجواب هو ان اﻻخيرة تعرف ضعف الخلفية القبلية للسيد غالي داخل الرقيبات باعتباره ينتمي لواحد من اصغر عروش قبيلة الرقيبات (اوﻻد طالب).
و هي نقطة ضعف تبقيه دائما تحت السيطرة بحكم حاجته لداعم امام قوة منافسيه قبليا و سياسيا، و قد تم اﻻبقاء على ابن عمه ابن مدينة تيندوف "كريكاو" رئيسا للمخابرات و منسقا حصريا مع السلطات الجزائرية لتسهيل مرور الرسائل بين المرادية و الرابوني.
و بدعمها استخلاف براهيم غالي ابن مدينة السمارة على خلافة احد صحراويي الجزائر، تقطع اﻻدارة الجزائرية مع شائبة عدم اﻻنتماء لمنطقة النزاع التي شابت الزعيم الراحل و غيره من القيادات المحسوبة على الجزائر، و تؤيد مزاعمها ان البوليساريو حركة من ابناء الساقية الحمراء ﻻ دخل للجزائر في صراعها مع المغرب.
و بالمحصلة لن يتغير شيء على مستوى البوليساريو و سيتمر الدور الجزائري بنفس القوة و النفس في ادارة الصراع مع المغرب. و سيبقى الصحراويون رهائن لفكرة تحرير لن يكون، و قيادات توجهها الجزائر كيفما كان خدمة ﻻجندتها ﻻ لسواد عيون ابناء اقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب، الذين سيبقون ضحايا ما دامت جبهة البوليساريو فوق التراب الجزائري ممثلهم الوحيد.
و سيستمر المغرب في تلقي اللكمات من القريب و البعيد، ينتظر انهيارا غير منظور للبوليساريو رغم المآسي التي يعيشها سكان المخيمات، مالم تحصل مصالحة حقيقية بين اﻻدارة المغربية و سكان اﻻقاليم الصحراوية مبنية على قاعدة المواطنة ﻻ الوﻻء.