القائمة

أخبار

عبد الباري عطوان: الإعلام هو الضحية الأكبر للازمة المصرية المغربية

تطرق الكاتب الصحافي الفلسطيني عبد الباري عطوان في مقال رأي له نشره في موقع "رأي اليوم" الإلكتروني الذي يرأس تحريره، لتغطية الإعلام المصري والمغربي للأزمة الأخيرة بين البلدين، وعنون المقال بـ"لاعلام هو الضحية الاكبر للازمة المصرية المغربية: الاسباب غامضة.. والهجوم بجديده وقديمه خرج عن كل الاعراف.. ونحتاج الى ميثاق شرف اخلاقي للحكومات العربية برفع يدها عن الاعلام وتوريطه في ازماتها".

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

وفيما يلي نص المقال:

الازمة السياسية المتفاقمة حاليا بين المغرب ومصر تعكس المستوى البائس الذي انحدرت اليه السياسة العربية، والعلاقات بين الحكومات والدول، والتوظيف المنحرف والسطحي لوسائل الاعلام لبذر بذور الفتنة، بل القطيعة، بين الشعوب بدلا من تشجيع التقارب، وازالة الحواجز بعيدا عن الخلافات الرسمية التي سرعان ما تزول بتبويس اللحى، وتبادل الزيارت على ارضية “عفا الله عما سلف”.

غياب المهنية والاستقلالية عن معظم الوسائل الاعلامية العربية، والتلفزيونية منها على وجه الخصوص، وسيطرة بعض مراكز القوى من خلال “رأس مال” غير معروفة مصادره، واحتمال جمعه وتكوينه من صلب الفساد والافساد، وحصر الحرية في “الردح” و”السب” و”الشتم” لكل من تختلف معه الحكومة المسيطرة شخصيا او نظام حكم، كلها عوامل منفردة او مجتمعة ادت، وتؤدي الى الحالة المزرية التي تشهدها العلاقات العربية العربية هذه الايام.

فجأة وبعد عام ونصف العام، اكتشفت بعض الاوساط الاعلامية المغربية ان الرئيس عبد الفتاح السيسي وصل الى الحكم عبر انقلاب عسكري اطاح برئيس منتخب يقبع في السجن، اسمه محمد مرسي، انه اكتشاف عظيم دون ادنى شك، جاء بتوجيه من جهات تعتقد انها عليا، طلبت فتح النار على مصر ورئيسها وحكومتها، دون اي مقدمات توضح اسباب هذا الهجوم الشرس، مما فتح الباب على مصراعيه للتأويلات والصيد في ماء لم يكن صافيا اصلا.

نفهم ان “تنحرف” بعض محطات التلفزة المصرية الى هذا المنزلق، وتهاجم هذا الطرف او ذاك بأفظع الالفاظ والاتهامات، فهناك ارث اعلامي “عريق” لديها في هذا المضمار، ولكن ما لم نفهمه هو ان تحذو بعض المحطات “الرسمية” المغربية الحذو نفسه في مضمار ليست ضليعة فيه لا يجب ان تنزلق اليه اساسا.

***

نشعر ككتاب، واعلاميين، بالمرارة ونحن نتابع هذه “الخصومة” المفتعلة تلتهم ما تبقى من مصداقية ومهنية لبعض الاعلام العربي، مثلما نشعر بالغصة عندما يتحول “بعض” زملائنا الى ادوات تحركهم احقاد وثارات شخصيات رسمية لمهاجمة هذه الجهة او تلك وكأننا “كلاب حراسة”.

نعم بعض المحطات التلفزيونية اخطأت في حق المغرب، عندما تخطت مذيعة مصرية مغمورة كل الخطوط الحمر، وخرجت عن كل اللياقات والآداب والاعراف المهنية والاخلاقية، عندما تهجمت على المغرب وشعبه وحكومته، وقالت ان دعائم الاقتصاد المغربي تقوم على “الدعارة”، وان البلد تحتل مرتبة متقدمة على لائحة الدول التي ينتشر فيها مرض “الايدز″، وكأن مصر ودول عربية كثيرة ليس فيها دعارة او ايدز، ولكن هذا التصرف الذي يعكس غباء وقصر نظر ما كان يجب ان يثير ازمة في علاقات بلدين كبيرين تتسم بالقوة والقواسم والمصالح المشتركة، ولولا تسليط الاعلام المغربي على هذا “التجاوز الوقح” وتضخيمه والمطالبة باعتذار رسمي لما سمع احد بهذه المذيعة او ما قالته.

وما المانع من انتقاد مذيع مصري آخر العاهل المغربي وسفره الى تركيا في موكب من خمسة طائرات، فالخبر اساس جرى نشره في عدة صحف فرنسية، واذا كان كاذبا فقد كان من المفترض ان يصدر الديوان الملكي المغربي تكذيبا له واغلاق هذه الصفحة.

تعددت الآراء والاجتهادات حول تفسير اسباب هذا “الهجوم” الاعلامي الرسمي المغربي المفاجيء على مصر، وتسمية الاشياء باسمائها الصحيحة، فمن قال انها “فتنة” يقف خلفها التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، ونحمد الله انهم لم يقولوا حركة “حماس″، ومن يذهب الى ابعد من ذلك ويقول انه انحياز مصر الى الجزائر، وتأييدها لجبهة “البوليساريو” بعد حصولها على غاز جزائري بأسعار مخفضة، ومشاركة وفد مصري في مؤتمر انعقد في العاصمة الجزائرية لدعم الاخيرة.

الاختلاف امر طبيعي بين الحكومات في قارات العالم الخمس، ولكن لماذا اللجوء الى “الردح” الاعلامي بدلا من القنوات الرسمية المتبعة، مثل السفارات وتبادل الرسائل وايفاد المبعوثين لتطويق الازمات، وايجاد حلول كلية او جزئية لها عبر الحوار الاخوي الحضاري؟

امر مؤسف ان اول خطوة يلجأ اليها الوسطاء في الخلافات البيتية العربية هو طلب “هدنة” اعلامية، وتهيئة الاجواء، لفتح افق افضل للحوار، وبالتالي المصالحة، وغالبا ما تتم هذه المصالحة ويتعانق الزعماء او الوزراء، وتطوى الصفحة، ولكن الاعلام “وفرسانه” الذين كانوا سيوف الحرب، وترسها، هم الضحية وكبش الفداء، ونذكِر في هذه العجالة بإغلاق قناة “الجزيرة مصر مباشر” ولجم القناة العامة، كشرط لاي مصالحة مصرية قطرية.

القطيعة التي خلقتها الحرب الاعلامية الجزائرية المصرية على ارضية احداث وصدامات مباريات تصفية كأس العالم قبل بضعة اعوام بين شعبي البلدين ما زالت ذيولها السلبية موجودة، وجراحها لم تلتئم كليا، بينما تتطور العلاقات بين نظامي البلدين بشكل متسارع وهذه مأساة كبرى.

***

كان الاحرى بالسلطات المغربية ان تصدر بيانا رسميا تحتج فيه على انحياز مصري لصالح الجزائر في قضية الصحراء الغربية، اذا كانت هناك اسباب مقنعة او موثقة، وكان المأمول من السلطات المصرية في المقابل ان تفعل الشيء نفسه، وفوق ذلك تتخلى عن عقدتها تجاه “الاخوان المسلمين” واشهار سيف العداء مع اي دولة تقترب منهم، مع يقيننا انه لا يوجد اي دليل يؤكد ان المغرب اقام علاقة رسمية معهم، ولكنه، اي المغرب تصرف بحكمة عندما سمح لحزب العدالة والتنمية بدخول الحكم وتشكيل الوزارة، بعد فوزه بالمقاعد التي تؤهله لذلك في البرلمان، مع تأكيدنا مسبقا على اختلاف ظروف المغرب واسلاميه عن نظرائهم في دول مشرقية اخرى وخاصة مصر.

الحكومات العربية، قبل ثورات ما يسمى بالربيع العربي، وعزت لوزراء اعلامها بوضع ميثاق شرف اعلامي عربي، ليس له اي علاقة بالشرف، او المهنية، وانما بالقمع والترهيب وخنق الحريات، ونحن الآن نطالب الحكومات نفسها بوضع ميثاق شرف اخلاقي فيما بينها من ناحية، وبينها وبين الاعلام من ناجية اخرى، اي ان تكف يدها واذاها عن الاعلام ووسائله وتتوقف عن توظيفه في خدمة اجنداتها، “الردحية” ضد بعضها البعض، استغلالا لاوضاع بعض الاعلاميين المعيشية البائسة، والاستعانة بالمتطفلين على المهنة في الكثير من الحالات.

حرصنا في هذه المقالة على الاكثار من كلمة “بعض” او “معظم” لتجنب الوقوع في مصيدة “التعميم” وللتأكيد على ان هناك وسائط اعلامية تتحلى بأكبر قدر ممكن من المهنية واتباع الاصول، ولكن هؤلاء قلة للأسف هذه الايام.

ربما يطير وزير الخارجية المصري سامح شكري الى الرباط غدا ويقدم اعتذارا يتم قبوله فورا، وتنهال التصريحات بعده حول عمق العلاقات الاخوية التاريخية بين البلدين، وتطوى صفحة الخلاف، وتهدأ العاصفة الاعلامية، ويخرج الاعلام او بعضه ملطخة صفحاته ببقع سوداء يحتاج الى سنوات لتنظيفها.