إلا أن إحياء ذكرى "أربعينية" المتوفى لا تقتصر على الإمام الحسين، وإنما هي ظاهرة منتشرة في عدد من البلدان العربية والإسلامية، ويعيدها مؤرخون إلى المصريين القدماء "الفراعنة".
وحول أصل الاحتفال بـ"أربعينية الحسين" في العراق، قال عماد الركابي، عضو هيئة تجمع المواكب الحسينية في العراق (حكومية)، لوكالة الأناضول، إن "البدايات الأولى لإحياء شعائر (أربعينية الإمام الحسين) كانت لا تتعدى عن كونها اجتماعاً بسيطاً لمحبي الحسين؛ حيث تُلقى فيها قصائد دينية تجسد الحالة الاجتماعية والسياسية في البلاد، ولم يكن شرطاً أن تكون في كربلاء".
وأضاف أن كتب التاريخ تذكر أنه في عصر الإمام زين العابدين، نجل الحسين (38 هـ - 95 هـ)، انطلقت البداية الأولى لهذه الشعائر حين استذكروا أربعينية الإمام الحسين في داره في المدينة المنورة (غربي السعودية) لتنطلق بعدها تلك الشعائر إلى العالم الإسلامي ومنها الى العراق.
ولفت إلى أن "الشعائر الحسينية لدى الشيعة بصورة عامة هي رد ديني وتحدٍ صارخ لأي حكم ظالم؛ لأنها تذكر بمظلومية الإمام الحسين الذي قتل هو وسبعين من آل بيته وأتباعه وسبيت نساؤه في معركة كربلاء".
بدورها، قالت آمنة الذهبي، الباحثة العراقية المتخصصة في التاريخ الإسلامي، إنه وفقا للكتب التاريخية فإن الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري كان أول من زار قبر الإمام الحسين بعد 40 يوماً على وفاته، وتصادفت هذه الزيارة مع وصول عائلة الإمام الحسين بعد فك أسرهم من دمشق عائدين إلى العراق مع رأس القتيل حيث استغرقت الرحلة 40 يوماً سيراً على الأقدام وتم دفن الرأس مع الجسد بالمرقد الشريف بكربلاء في العشرين من صفر كما جاء في الروايات.
وأشارت الذهبي إلى أن "هذا اليوم يسمّى في العراق (مَرَد الرأس) حيث التقى أفراد آل بيت الحسين بالأنصاري ومن هنا جاءت تسمية المناسبة بـ(الأربعينية) فتقام الشعائر استذكاراً لهذه الحادثة الأليمة لتتجدّد فيها الأحزان".
ولفتت إلى أن من شعائر الزيارة الأربعينية المشي سيراً على الأقدام من كافة أنحاء العراق عبر مواكب منتظمة، والقيام ببعض المظاهر التي تعبر عن الحزن كاللطميات ونحيب النساء وغيرها.
مفيد الزيدي، أستاذ قسم التاريخ في جامعة بغداد، أوضح من جانبه أن "أربعينية الامام الحسين" تحولت تدريجياً من "طقس عقائدي يحييه الشيعة إلى استذكار لملحمة بات الشيعة والسنة وطوائف أخرى من غير المسلمين يقومون بإحيائها"، وفق قوله.
وقال الزيدي في حديثه لـ"الأناضول"، إن زيارة أربعينية الحسين تتغير مظاهرها تدريجياً في كل عام وتتوسع، لافتاً إلى أن أربعينية هذا العام تختلف عن أربعينيات الأعوام السابقة، حيث وصلت أرقام الزوار للملايين إلى كربلاء،(أكثر من 20 مليوناً حسب بعض التصريحات الرسمية) بينهم عدد كبير من البلدان العربية والإسلامية، وحتى غير الإسلامية.
واستدرك بالقول إن ثمة زوار مسيحيين يشاركون هذا العام في إحياء "الأربعينية"، لم يبيّن أعدادهم، لافتاً إلى أن الزيارة تحولت من طقس عقائدي وديني إلى استذكار لملحمة الوقوف بوجه الظلم.
وتعتبر "أربعينية" الإمام الحسين من أهم المناسبات لدى الشيعة حيث تخرج مواكب رمزية للعزاء في مثل هذا اليوم (20 صفر بالتقويم الهجري)، ويتوافد مئات الآلاف من الشيعة من كافة أنحاء العالم إلى محافظة كربلاء لزيارة مرقد الحسين ويأتي الكثير منهم مشيًا على الأقدام.
وبيّن الأستاذ الجامعي أن إحياء أربعينية الحسين مرتبطة بمسألة التحدي وهذا غير موجود في إحياء أربعينية الموتى الآخرين التي تقام في عدد من الدول العربية والاسلامية، فالحسين وقف، بحسب معتقدات الشيعة، وقفة التحدي أمام الظلم والتكبّر، و"كلما كان هناك ظلم وجور كلما كانت أعداد الزوار أكبر"، حسب تعبيره.
واعتبر أن أربعينية الحسين "تعطي زخماً نفسياً كبيراً للزوار في سعيهم لمواجهة الظلم".
وأشار الزيدي إلى أن هذه الطقوس مقدسة لدى المسلمين الشيعة الذين يحرصون على إقامتها كل عام لكن هذه السنة تحل المناسبة بأوضاع لم يعهدها العراق أو حتى محيطه من قبل، حيث تفاقمت أعمال العنف وتدور معارك في مناطق واسعة من البلاد بعد سيطرة تنظيم "داعش" على معظم شمال وغرب العراق ومناطق في جارته سوريا.
ويسير الزوار عادة مشيًا على الأقدام إلى كربلاء بينما يقدم متطوعون الطعام والشراب لهم على أطراف الطرقات المؤدية إلى المدينة المقدسة لدى الشيعة وسط إجراءات مشددة من قبل قوات الأمن العراقية المنتشرة على جميع طرقات المسير خشية تعرض الزائرين إلى هجمات "إرهابية" تنسب عادة إلى الجماعات المسلحة المتطرفة.
وقررت أغلب المحافظات الجنوبية (الشيعية) في العراق هذا العام تعطيل الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية خلال الأيام الثلاثة الماضية لإتاحة الفرصة أمام الموظفين والطلبة لأداء الزيارة، فيما بدت جميع المدن الشيعية خالية من المارة.
أما بالنسبة لـ"أربعينة الميت" فهي ظاهرة منتشرة في عدد من البلدان العربية والإسلامية وتختلف طريقة إحيائها من مجتمع لآخر، وهي منفصلة تماماً عن ذكرى إحياء "أربعينية الحسين"، بحسب مراسلي الأناضول في تلك البلدان.
ففي مصر على سبيل المثال، يحرص كثير من المصريين على إقامة مأتم ليلة اليوم الأربعين على وفاة الميت، ولا يختلف هذا المأتم عن مأتم يوم الوفاة، فيعلنون عنه في الصحف في بعض الأحيان ويقيمون له السرادقات، ويحضرون قرّاء للقرآن وينحرون الذبائح.
ويحرص المعزون على حضور "الأربعينية"، فيشكر صاحب المأتم من حضر منهم ويلوم ويحمل عتباً على من تخلف ولم يعتذر، فيما تقيم السيدات بجانب ذلك مأتما آخر فى ضحوة النهار للنحيب والبكاء وتجديد الأسى والعزاء على المتوفى، ولا يعتبر هذا التقليد قاعدة لدى جميع أطياف المجتمع كونه نوع من التقاليد ولا يوجد دليل شرعي على أنه من سنة رسول الله أو صحابته.
ويعيد بعض المؤرخين إحياء "أربعينية الميت" إلى عادة فرعونية قديمة، منطلقها أن الميت يدفن بعد أربعين يوماً من تحنيطه، ويشير بعض خبراء التحنيط إلى أن هذه المدة (الأربعين يوماً) كافية لكي تتخلل مواد التحنيط في جسم المتوفى، وتبعد عنه التعفن والتحلل بعد دفنه.
وتحنيط الموتى هو حفظ جثث الموتى بواسطة مواد كيميائية، فيحافظ جسم الإنسان على مظهره ويبدو كأنه حي، عند تسجيته في مكان عام قبل إجراء مراسم الدفن، وذلك لأسباب طبية أو تزيينية؛ بالإضافة إلى أنه يفي بمتطلبات بعض الديانات التي تؤخر الدفن لعدة أيام، أو تضطر لنقل الجثة إلى مكان آخر، فيمنع التحنيط تعفّن الجثة أو تفسخها.
ومن ذلك فإن أهل الميت يتقبلون العزاء مرتين الأولى عند الوفاة والأخرى بعد الدفن، وبقيت هذه العادة في مصر بعد اعتناق المسيحية ومن بعدها الإسلام كنوع من العادات والتقليد على الرغم من أن البعض لا يعلم مردها، ويعتبرها مناسبة دينية.
أما في دول بلاد الشام (سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين) والعراق وبعض البلدان العربية الأخرى فهذه العادة موجودة أيضاً ولكن تكون أقل تكلفة وعلى نطاق أضيق في معظم الحالات حيث يقوم أهل الميت بزيارة قبر ميتهم وقراءة الفاتحة على روحه، وفي بعض الأحيان ذبح الذبائح وإقامة ما تسمى "الموالد النبوية" وتتم دعوة الأقارب إليها ويقرؤون القرآن على روح ميتهم ويتذكرون لحظات فراقه ويحيون الحزن عليه من جديد.
وفي بعض الأحيان إن كان الشخص شخصية عامة فإنه يقام له أمسيات رسمية يذكر فيها مناقب الميت أو أعماله وأحياناً يقام عزاء جديد له في هذه المناسبة.
من ناحية الشرع يقول كثير من العلماء أنها "بدعة محرمة" استناداً لحديث للرسول محمد صلّ الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، ولم يذكر عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه أقام "أربعينية" لأحد من أقاربه المتوفين أو حضرها.