لأول مرة أجد رئيس الحكومة بليغا حين شبّهنا بالثريات، فرغم زلاته اللسانية المعتمة، كان هذه المرة دقيقا في وصف الضوء، كان واقعيا، ومنسجما مع قناعاته الفكرية، وهي للأسف القناعات نفسها التي نقتسمها معه عن وعي أو غير وعي.. فحتى ونحن ننتفض ضدها في الخطاب، فلازلنا نكرسها في السلوك والممارسة، رجالا ونساءً وباختلاف مرجعياتنا الفكرية.
هل ننكر بأن النساء هن المصدر الوحيد للضوء في البيوت المغربية؟ هل هناك من ينوب عنهن إن غبن، أو يساعدهن إن عدن منهكات من العمل؟.. فوحدهن المُرَوضَّات اجتماعيا على أدوار السخرة المنزلية، وبدون شقائهن اليومي في تدبير شؤون البيت، سينطفىء الضوء، وستنتشر الفوضى، وسيستوطننا الخميل والبقع المستعصية..
مع احترامي لكل الذين ثاروا ضد رئيس الحكومة، لم أجد شخصيا في كلامه تجريحا للمرأة، فلأول مرة أجده مهذبا في التعبير عن رأيه، بل شاعريا في صورته المجازية وهو يُشبّهنا بالثريات، لحسن حظنا لم يشبهنا بالمصابيح الباهتة لشعاره الحزبي، فالثريات على الأقل غاليات الثمن، شامخات في السقف، كثيفات الضوء، ويوزعن النور على البيت ببهاء وتناسق...
أجد صورة تشبيهنا بالثريات أقل عنفا من صورة جرِّنا من شعورنا للعمل السياسي كما صرح لقناة فرنسية، وأكثر رقيا من صورة عراكنا ونتف شعر بعضنا في الحمامات الشعبية كما وصفنا في قناة الجزيرة، يبدو أنه قد بدأ يُشفى من عقدة تصفيف الشَّعر، وأصبح ينهل من صور الشِّعر، لكن تحسُّن معجمه اللغوي لا يعني بالضرورة تحرره من ذهنيته الذكورية..
فحتى وهو يشبهنا بالثريات ويعبر بعفويته المرتبة عن قلقه على رحيل الضوء من بيوت العاملات، لم يقل ذلك لأنه يخشى على النساء من التعب، بل لأنه يخشى على الرجال من الجوع ..
لكن ما لا يعلمه رئيس الحكومة، هو أن النساء المغربيات لا يخرجن إلى العمل إلا بعد شحن بطاريات بيوتهن بالضوء وبالطاقة وبالدفء، وبأن المرأة تقضي الوقت نفسه في التدبير المنزلي سواء أكانت عاملة أو ربة بيت، وهذا ليس كلامي، بل خلاصة البحث الميداني الأخير الذي أنجزته وزارة الوظيفة العمومية بتعاون مع منظمات دولية..وقد عبر أغلب المستجوبين والمستجوبات الذين شملتهم الدراسة على أن العمل خارج البيت من أجل تأمين حاجيات الأسرة هي مهمة الرجل، وأن الأشغال المنزلية وتربية الأطفال هي الدور الأول للمرأة..
وهذا يعني أن ما صرح به رئيس الحكومة أمام مجلس المستشارين هو ما تؤمن به الأغلبية، وهو ما يعكسه الواقع من خلال التوزيع التقليدي للأدوار بين الرجل والمرأة، وما يكرسه الخطاب الإعلامي الذي خرج بعض مسؤوليه للاحتجاج ضد بنكيران..
كنت أفضل أن ننتفض ضد تواطئنا غير المعلن في تثبيت الهيمنة الذكورية بدل الانتفاضة ضد كلام شُعبوي عابر لرئيس حكومة لا يحكم..
فصورة الثريا تبقى أرحم من الصور النمطية المذلة للمرأة التي تعيد تثبيتها في لاوعينا الجمعي المقررات المدرسية والدراما التلفزيونية والوصلات الإشهارية والبرامج الإذاعية الصباحية..