أن يكون الدستور وثيقة مدنية نسبية غير مقدسة وقابلة للتعديل فهذا مما لا شك فيه، ما دامت النصوص المقدسة نفسها عرضة للتأويل والتفسير بل وحتى للتعطيل بسبب ضرورات الوقت، والأمثلة على ذلك تفوق الحصر. لكن الذي أخطأه هؤلاء ولم ينتبهوا إليه هو أن تعديل الدستور، يخضع لمنطق التطور والتراكمات الإيجابية ومنطق التحديث والدمقرطة، وليس لمنطق النكوص والتراجع والميز، ومن تم وجب التأكيد على ما يلي:
ـ إن ما أقره دستور 2011 من مكتسبات كان هدفه تخفيض التوتر والاحتقان في الشارع المغربي، وتجديد شرعية الحكم، وبعث الثقة في النفوس في إمكان التغيير ولو تدريجيا وبشكل سلمي، ومن تم فمن يلهو بالعبث بمكتسبات القوى الديمقراطية يظهر مقدار استهتاره باستقرار ووحدة هذا البلد، من أجل الانتصار لحزازات إيديولوجية لا قيمة لها بتاتا.
ـ أن الأمازيغية ظلت على مدى خمسين سنة عرضة للتهميش والإقصاء من المؤسسات بذرائع وتبريرات شتى، تبين فيما بعد أنها لم تكن وجيهة ولا قائمة على أساس متين، مما أدى إلى تراجعها أمام القرارات الحازمة التي لم يكن منها بدّ لضمان الاستقرار والمضي قدما في طريق البناء الديمقراطي الصعب والشائك.
ـ أن سعي بعض المثقفين ـ الذين عزلوا أنفسهم عن دينامية التغيير والتحولات المتلاحقة ـ إلى الإبقاء على الأمازيغية تحت وصاية المنظومة الثقافية العربية نابع من عدم الإيمان بالتعددية الفعلية وبالحق في الاختلاف الثقافي، كما أنه نابع من الشعور بهشاشة وضعية الثقافة العربية رغم كل الإمكانيات التي حظيت بها منذ الاستقلال، وذلك بسبب ارتباطها ببنيات الاستبداد من جهة، وبالتراث الديني التقليدي الذي ما فتئ يشدّ اللغة والثقافة العربيتان معا إلى الوراء ويعرقل مسلسل تطويرهما وتحديثهما.
ـ أن اعتبار نهضة مكون من المكونات الوطنية تهديدا حتميا لمكونات أخرى، واعتبار كل عمل واشتغال على لغة أخرى غير العربية عداء لهذه الأخيرة وكيدا لها، هو أسلوب غريب في التفكير يتسم باللاوطنية وبانعدام المسؤولية، ولا يهدف إلى أكثر من شرعنة التهميش والإقصاء وتكريسهما.
ـ أن الاستمرار في الزعم التقليدي بأن النقاش في موضوع التعددية اللغوية والثقافية مدعاة للتناحر والصراع وتهديد الوحدة الوطنية هو أشبه بمن يسعى إلى استعمال بطارية مستهلكة حدّ النفاذ، كما يعبر عن أسلوب في التفكير لا تاريخي ولا واقعي، لأنه لا يراعي التراكمات والمكتسبات التي تحققت، والتي جعلت المغرب يتبوأ الصدارة في التدبير السلمي للتعدد الثقافي واللغوي، فهو البلد الوحيد اليوم في كل شمال إفريقيا والشرق الأوسط الذي يعترف بلغتين في الدستور، بينما ما زالت الدول الأخرى غارقة في الصراعات وأشكال التناحر بسبب النزعات الفاشية اللغوية والدينية والثقافية، والتي تعرقل وجود أي حوار وطني جاد ومسؤول.
ما زال أمامنا طريق طويل علينا أن نحتكم فيه إلى العقل والحوار والتواصل فيما بيننا، والاستماع إلى بعضنا البعض في إطار الاحترام المتبادل، وليس إلى الحجر والوصاية وسوء الظن بالناس.