لذلك، أهم ما في الأمر هو أننا سنكون إزاء فرصة مواتية لتعريف وإعادة تعريف ما العنصرية؟
غالبا ما نتجاهل السؤال العميق والجارح والبسيط في الآن نفسه: ما الذي يجعل محتمعنا محصنا من الانزلاق وراء خطابات التحريض على العنصرية؟ وما هو العمق الثقافي والفكري والسلوكي القادر على توصيف هذه الخطابات كما هي نفي للمساواة واعتداء على المواطنة وتمييز مبني على اللون أو الدين أو الجنس؟
لا نجر وراءنا ثورة ثقافية، ولا قرونا من التنوير، ولقاؤنا العابر والصادم والهش مع قيم المواطنة والسلوك المدني وتراث الإنسية العالمية، لا يزال يحتاج إلى ما هو أكبر من الاستيعاب الحقوقي والتضمين القانوني: أن يصبح ثقافة يومية وردود فعل طبيعية وعادية.
من مفارقات التاريخ أن حتى الذين أنجزوا هذه الثورات، والذين قادوا معارك التنوير والحداثة والمدنية، كان عليهم أن يعاينوا اندحارا تاريخيا وهم يتابعون سقوط الحضارة الغربية في براثن الاستعمار والفاشية والنازية، تم عقودا بعد ذلك انزياحا نحو العنصرية، وخطابات اليمين المتطرف المبنية على عقيدة كراهية الأجنبي.
لذلك اعتبر فلاسفتهم أن معركة الحداثة مشروع غير مكتمل، وأن التنوير ورش مفتوح على المستقبل، إذ تبدو الديمقراطيات الغربية، يمينا ويسارا، في صراع شرس ضد الانزلاقات الفجة ليمينها العنصري.
الفارق بين هذه التجارب والحالة المغربية، هو فارق في الدرجة والطبيعة، فضلا عن العجز البنيوي في الحصانة الثقافية لمشروع المواطنة والمساواة، فإن مناهضة العنصرية تبدو معركة لدفاع متأخر ضد قناعات مجتمعية راسخة.
وهنا، فإن الحليف الأول والمثالي للعنصرية هو التطبيع مع مظاهرها والتكيف مع سلوكاتها، وقوة هذا التواطؤ تبرز أساسا عندما يسقط قادة الرأي العام والنخب في فخ العنصرية والميز، ولا تقاوم هذه الخطابات المخجلة بما يوازيها من تنديد أخلاقي عارم.
إنها الحالات التي يتجاوز فيها الأمر حدود النكت «الشعبية» التي تنمط جزءا من السكان في أوصاف قدحية، إلى مانشيطات صحفية تحول مواطنين أجانب إلى جراد أسود. وننتقل فيها من حدود النعوت الميزية التي تتواطأ أغلبية الساكنة على استعمالها في توصيف مغاربة سود أو أجانب، إلى سقطة فضيعة لفكاهي شهير يشبه دولة إفريقية كبرى بمرأب ضخم للحشرات السوداء.
تماما مثل ما قد يتحول شعار: «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود!» إلى شعار مركزي في المسيرات المتضامنة مع فلسطين.
نعم، نحن عنصريون!
يحدث ذلك عندما تستسهل بعض وسائل الإعلام تعابير عنصرية واضحة تنطلق من صور نمطية للآخر /المختلف، أو عندما يلصق بعض مُلاك العمارات بالبيضاء إعلانات حول منع الكراء للأفارقة، أو عندما تتطور الأحداث رأسا إلى حالات عنف وصل إلى جرائم قتل تحوم حولها شبهة الجريمة العنصرية المقيتة.
نعم، نحن عنصريون!
والأنكى والأفضع من ذلك أننا لا نعي دائما أننا كذلك.