القائمة

الرأي

لوبيات الوصاية الجديدة على المغاربة

 

بدأت تتشكل حركات مدنية غريبة مضادة لاتجاه التاريخ ولتطور المجتمع المغربي، هذا الاتجاه الذي هو الانتقال نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام الحريات والحق في الاختلاف، وهي حركات لا تكتفي بخوض حملات التحسيس والإسهام في النقاش العمومي والإدلاء بما لديها من حجج وبراهين وأدلة في دعم مواقفها في مقابل مواقف الغير، بل تلجأ إلى محاولة تمرير قوانين زجرية وعقابية ضدّ المخالفين لها في الرأي والموقف، كما تعتمد أساليب الاحتجاج والتظاهر ليس ضدّ السلطة أو من أجل رفع مطالب بل فقط ضدّ من عبّر عن رأي أو سلوك مخالف لا يمس بحقوق الإنسان ولا يمثل خرقا للقانون، سواء في عمل فني أو أدبي أو في خطاب سياسي أو مدني.

بدأت تتشكل حركات مدنية غريبة مضادة لاتجاه التاريخ ولتطور المجتمع المغربي، هذا الاتجاه الذي هو الانتقال نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام الحريات والحق في الاختلاف، وهي حركات لا تكتفي بخوض حملات التحسيس والإسهام في النقاش العمومي والإدلاء بما لديها من حجج وبراهين وأدلة في دعم مواقفها في مقابل مواقف الغير، بل تلجأ إلى محاولة تمرير قوانين زجرية وعقابية ضدّ المخالفين لها في الرأي والموقف، كما تعتمد أساليب الاحتجاج والتظاهر ليس ضدّ السلطة أو من أجل رفع مطالب بل فقط ضدّ من عبّر عن رأي أو سلوك مخالف لا يمس بحقوق الإنسان ولا يمثل خرقا للقانون، سواء في عمل فني أو أدبي أو في خطاب سياسي أو مدني.

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

من هذه اللوبيات الجديدة التي بدأت تتجاوز حدود المعقول إلى انتهاك حق الغير، المدافعون عن اللغة العربية والمطالبون بحمايتها بأساليب لاعقلانية، والذين تجاوزوا حدود المطالب والدفاع المشروع الذي نقرّهم عليه ونساندهم فيه، إلى مستوى التظاهر ضدّ كل من استعمل الدراجة المغربية في الإشهار لبضاعة استهلاكية، ومراسلة الشركات والوكالات الإشهارية للضغط عليها من أجل التوقف عن استعمال لغة الشعب واعتماد لغة النخبة العالمة ولغة المدرسة فقط، وهو سلوك لا يقبله عاقل، لأن استعمال الدراجة ليس خرقا للقانون، ولا اعتداء على العربية، كما أنه أمر متداول ومعمول به منذ عقود طويلة في الإشهار والدعاية والإرشاد اليومي والتواصل شفويا وكتابيا سواء داخل المغرب أو في بلدان الجوار، ولا حق لأحد في أن يفرض على الناس التكلم بلغة ما دون غيرها أو استعمال لغة بعينها في الإشهار للبضائع الاستهلاكية في التلفزيون أو العلامات واللافتات والدعوات وغير ذلك من وسائل الدعاية المكتوبة، فهذا خرق سافر لحق لا غبار عليه. بل إن بعض هؤلاء وصل درجة من الهذيان أنه تحدث في التلفزيون مطالبا الدولة بأن "تفرض" على المواطنين التكلم بالعربية الفصحى في فضاءات التواصل والشارع والأسواق ؟؟ !! ما يجعلنا نشك في السلامة العقلية والنفسية لمثل هذا المواطن وفي مدى تمتعه بشخصية سوية.

لهؤلاء نقول:

ـ إن واجب الدولة في حماية اللغة العربية هو واجب دستوري يقره القانون الأسمى للبلاد، لكنه لا يلغي رعاية الدولة وحمايتها للغة الرسمية الأخرى التي هي الأمازيغية وكذا للغات الوطنية الأخرى ومنها الدارجة، وحماية المتحدثين بها ومستعمليها من أي اعتداء.

ـ إن الدفاع عن اللغة العربية ضد التهميش وضد هيمنة اللغات الأجنبية أمر مشروع، لكنه لا يعني التوهّم بأن اللغة العربية قادرة على القيام بكل الوظائف بدون استثناء، فثمة فضاءات وأماكن وسياقات يضطر فيها المغاربة إلى استعمال الدارجة أو الأمازيغية بهدف التواصل والتبليغ، دون أن يعني ذلك أي مسّ بالعربية وبمكانتها، إلا إذا كانت حماية العربية في رأي هؤلاء غير ممكنة بدون قمع اللغات الأخرى وتحقيرها وحظرها، وعندئذ لا ينبغي أن يحزن هؤلاء أو يغضبوا إذا كانت نتائج عملهم غير سارّة وغير محمودة العواقب.

ـ أن على بعض دعاة حماية العربية أن يتفضلوا أولا فيتقنوا هذه اللغة ليتمكنوا من التعبير بها بدون لحن أو تلبك في التعبير وارتباك في العبارة، ناهيك عن أخطاء الإملاء والكتابة، ففاقد الشيء لا يعطيه، أقول هذا لأننا أصبحنا نرى منافحين عن العربية لا يعرفون نحوها ولا صرفها كما أن معرفتهم بمعجمها لا تتعدى النزر اليسير.

بجانب هذا اللوبي المدني المدافع عن العربية ظهر لوبي آخر مدافع عن فلسطين بطرق قد تكون لها بعض السلبيات، فالدفاع عن الحق الفلسطيني والتظاهر والتعبئة لذلك ورفض التطبيع مع دولة إسرائيل ومؤسساتها والتحسيس بما فيه من ضرر بالقضية الفلسطينية، كلها أمور لا نملك إلا أن نحترمها بحكم انسجامها مع حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، لكن العمل على إصدار قانون يعتبر كل من تعامل مع يهودي مغربي يحمل الجنسية الإسرائيلية ـ ليس له منصب مسئولية ولا يمثل مؤسسات هذه الدولة ـ اعتباره "مجرما" يدخل السجن لخمس سنوات ويؤدي غرامة 100 مليون سنتيم (كذا !)، فهذا ضرب من الغلو لا يقلّ عن محاولة منع شركة للدعاية من استعمال الدارجة المغربية في تواصلها مع المواطنين.

قد لا نهتم لهذا الأمر إن أقدم عليه فاعلون من تيار الإسلام السياسي أو تيار القومية العربية، ولكن أن تتبنى أحزاب سياسية من غير هذين التيارين مثل هذه المواقف، فهذا أمر يطرح أكثر من سؤال عن مدى حكمة وتعقل طبقتنا السياسية، وعلينا أن نكون صادقين معهم فنقول إن تمرير قانون من هذا النوع، بدون تعديل أو مراجعة وتدقيق، سيكون ضربا من الوصاية على ضمائرنا لا نقبله، وعاملا على نشر كراهية اليهود من جديد وتكريس الخلط وتهديد السلم الاجتماعي.

لم يأخذ واضعو مقترح القانون بعين الاعتبار وجود عائلات يهودية مغربية يتواجد نصفها الآخر بإسرائيل منذ نصف قرن، مما يجعل منهم جميعا "مجرمين" إن حاولوا زيارة بعضهم البعض، فمقترح القانون ينطبق على كل مغربي تعامل مع يهودي يحمل الجنسية الإسرائيلية. كما لم يأخذ واضعو المقترح بعين الاعتبار وجود دور للدولة المغربية في السعي إلى إيجاد حل للقضية الفلسطينية، فمن حق الدولة المغربية التي لها جالية تبلغ أزيد من 700 ألف يهودي مغربي بإسرائيل أن تعمل على إحقاق الحقوق الفلسطينية وأن تدعم المفاوضات وكل الحلول السياسية من أجل إنهاء الاحتلال، بينما لا تسمح القطيعة المطلقة التي يقترحها قانون تجريم التطبيع بأي تعامل من أي نوع، وهذا خطأ.

من جانب آخر هل كل من تحدث مع شخص يهودي يحمل الجنسية الإسرائيلية ولو في موضوع لا علاقة له بإسرائيل أو بمؤسساتها أو بالقضية الفلسطينية هو "مجرم" ينبغي معاقبته ؟

إننا نرفض احتلال إسرائيل لأراضي الشعب الفلسطيني، ونطالب بقيام دولة فلسطينية مستقلة، ونعتبر التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي مع مؤسسات الدولة الإسرائيلية أمرا مرفوضا، ولكننا لا نعتبر التعامل مع يهود مغاربة جاؤوا إلى بلدهم تطبيعا مع الدولة الإسرائيلية بينما لا يوجد أي تعامل مع مؤسسات هذه الدولة أو ورموزها، كما لا يوجد أي قبول بمنطقها في الاحتلال، ما يعني ضرورة مراجعة فكرة "التجريم" من أساسها، والحرص في صياغة مقترح القانون على أن يستهدف المطبّعين الحقيقيين مع إسرائيل في مختلف دواليب الدولة والأحزاب السياسية وأوساط المال والأعمال، عوض اضطهاد كل من تحدث مع يهودي يحمل جنسية إسرائيلية ولو في أمر لا علاقة له مطلقا بإسرائيل من قريب أو بعيد. وفي حالة تبني هذا القانون كما هو في صياغته الحالية فسيكون علينا رفضه ومعارضته إلى أن يتمّ تعديله.

منبر

أحمد عصيد
باحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية
أحمد عصيد