والمشكل أنّ السيد بنكيران يواجه أزمة مزدوجة، فقد اضطر من جهة إلى التنازل حتى عن بعض صلاحياته التي كان عليه التمسك بها في إطار الدستور المعدّل، كما أنه من جهة أخرى لم ينتصر في أية معركة خاضها ضدّ بعض رجال الدولة من المحيط الملكي الذين استعمل الهجوم عليهم كأحد الآليات الرئيسية في حملته الانتخابية.
لكن نقطة الضعف الكبرى للسيد بنيكران في تذرعه بسلطات الملك التي تتجاوزه لتبرير عدم قيامه بحل المشاكل الملحّة للمغاربة، هي أنه قد سبق له أن واجه صوت الشارع الذي طالب بملكية برلمانية وبصلاحيات حقيقية للمنتخبين مع ربط المسؤولية بالمحاسبة، واجهه بالهجاء والسخرية، معبرا عن انضمام مطلق للسلطة الملكية المطلقة والتنفيذية، وعن تشبث حدّ التفاني بإمارة المؤمنين التقليدية. هذا الضعف يجعل السيد بنكيران بدون خلفية تحمي ظهره من الشارع، حيث أن إنزال متظاهرين من تيار واحد يتبع للحزب الحاكم هو أمر لا يستحق التهديد به كما فعل ذات مرة، إذ لن تكون له نفس مردودية الحراك الشعبي الذي ضمّ مختلف مكونات الطيف السياسي والمدني بالمغرب.
يضع حزب العدالة والتنمية عينه على الانتخابات الجماعية المقبلة، كما يعمل في الخفاء على الاستيلاء كميا على المؤسسات، لتغيير موازين القوى لصالحه، وليست مغامرة السيد الشوباني إلا أحد مظاهر هذا المخطط، لكنه قد يؤدي إلى خلق أكبر تكتل مدني وسياسي ضد الحزب الإسلامي مستقبلا، ولن ينفع خطاب الـ"الفلول" و"التماسيح" في إقناع الغالبية.
لكن في مقابل ذلك يقول بعض الذين تقلبوا في العديد من المناصب وقضوا داخل دواليب الدولة عقودا ويتوفرون على تجربة هامة في التسيير والتدبير، بأن حزب العدالة والتنمية لم يكن مهيأ لأن يتولى المهام التي سقطت على رأسه فجأة في سياق الانتفاضات الشعبية، وأن أطره الحالية عاجزة عن إيجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي تواجهها، وأنهم كلما تحركوا ازدادوا غرقا في وحل السلطة.
يتحمل بنكيران مسؤولية رئاسة الحكومة، في ظل دستور صوت له ودعا إليه بحماسة، معتبرا أن القطيعة حصلت بهذا الدستور وأن المغرب انتقل إلى عهد جديد، و أنه بصفته منتخبا يتوفر على كل الصلاحيات لمحاربة الفساد والاستبداد في الدولة، وليس عليه إلا أن يفعل ذلك ويكون عند وعده، وإلا فسيكون عليه أن يواجه الناس بالحقيقة، ليس بعد أن يغادر كرسيه ويتقاعد ويكتب مذكراته، بل وهو بعد في خضم المعركة حتى يصدّقه الناس.