القائمة

أخبار

إير أوشن ماروك: الأمر لا يتعلق بتحطم طائرة [افتتاحية]

أحيانا، تتحول إدارة الأزمات إلى مشهد سريالي. هذا ما حدث مع البيان الذي أصدرته شركة الطائرات الخاصة "إير أوشن ماروك" في اليوم التالي للحادث الذي وقع في مطار فاس، حيث انحرفت إحدى طائراتها عن المدرج واصطدمت بسياج المطار. اربطوا أحزمة الأمان، لأن هذه الافتتاحية ستكون مثيرة.

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

بعد انحراف طائرة من طراز "هوكر 800" عن المدرج بمطار فاس سايس، لم يكن على متنها ركابا، لكن ثلاثة أشخاص من أفراد الطاقم، تم نقلهم إلى المستشفى كإجراء احترازي، سارعت شركة "إير أوشن ماروك" إلى طمأنة الرأي العام، مشيرة إلى فتح تحقيق لتحديد ملابسات الحادث. في المقابل، عبرت عن رفضها لاستخدام مصطلح "تحطم" في التغطيات الإعلامية، معتبرة أنه لا يعكس الواقع بدقة وقد يثير قلقا لا مبرر له. إلا أن الوقائع تظل ثابتة، والمصطلحات التقنية لا تحتمل التأويل.

عندما يسعى التواصل المؤسسي لإعادة تعريف الحقيقة

وأصرت شركة "إير أوشن ماروك" على أن ما وقع لا يعد تحطما ولا حتى حادثا جويا، بل "واقعة بسيطة" على حد تعبيرها. في المقابل، استخدم بيان وزارة النقل، كما نقلته وكالة المغرب العربي للأنباء، مصطلح "حادث طائرة" بشكل صريح. ورغم أن التحقيق ما زال جاريا تحت إشراف السلطات المختصة ومكتب التحقيقات والتحليلات، تبنت عدة وسائل إعلام، يوم الاثنين، المصطلحات التي أوصت بها الشركة، دون انتظار ما ستفضي إليه نتائج التحقيق.

يعتبر الحادث الجوي، الذي يعرف أيضا بالتحطم أو الهبوط الاضطراري مع التسبب في أضرار، واقعة تحدث أثناء رحلة طائرة وتتسبب في أضرار للطائرة أو إصابات أو وفيات أو أضرار جسيمة في الطائرة غير قابلة للإصلاح. كما أن الحوادث التي تؤثر على سلامة الرحلة دون أن تترتب عليها عواقب كبيرة، فهي أيضا تُصنف على أنها حوادث جوية. من جهة أخرى، لا يختار الصحفي المصطلحات بشكل شخصي، بل يستند إلى النصوص التنظيمية المعتمدة، مثل الملحق 13 لمكتب التحقيقات والتحاليل المتعلقة بحوادث الطيران المدني.

"أفراد طاقم الطائرة الثلاثة وشخصا واحدا على الأرض، أصيبوا في الحادث، مؤكدة أنه تم إسعاف المصابين الأربعة على الفور ونقلهم إلى مصحة للعلاج".

 بيان وزارة النقل واللوجيستيك

إن خروج الطائرة عن المدرج واصطدامها بسياج صلب، مما أدى إلى تدمير الأجنحة وانقلاب معدات الهبوط، يصنف بالفعل ضمن الحوادث الجوية. وعلى الرغم من أن مصطلح "تحطم" يحمل دلالة درامية، فإنه يعكس حدثا خطيرا يستدعي إجراء تحقيقات وتحليلات تقنية للتأكد من ملابساته.

من خلال إنكار هذا المصطلح، تحاول "إير أوشن ماروك" التلاعب بالصورة العامة واللغة في آن واحد، مما يحرف الانتباه عن الأمر الأساسي: حادث خطير قد وقع ويستدعي استجابات شفافة. وصفه بأنه مجرد انحراف عن المدرج هو محاولة للتقليل من خطورة الواقع.

اللغة تحت السيطرة، بينما التصور في قبضة التأثير

تعد هذه الاستراتيجية شائعة في مجال التواصل خلال الأزمات: إنكار المصطلحات للحد من التأثير. إلا أن هذه المحاولة تبدو غير مجدية، إذ لا تقتصر على تقليل الحقائق، بل تتجاوز ذلك باتهام وسائل الإعلام بنشر معلومات مضللة، وكأن الاصطدام بالسياج أو نقل الطيارين إلى المستشفى لم يحدث أصلا.

القضية الحقيقية لا تكمن في المعركة اللغوية، بل في شفافية الإجابات: ما الذي حدث بالضبط؟ لماذا لم تتمكن الطائرة من التوقف في الوقت المناسب؟ هل يمكن استبعاد الأسباب التقنية؟ هل لعبت الظروف الجوية أو البشرية دورا في الحادث؟ الرأي العام ينتظر إجابات مقنعة على هذه الأسئلة، وليس انشغالا في جدل لغوي.

في محاولتها لتغيير المصطلحات بدلاً من توضيح تفاصيل الحادث بشكل كامل، فقدت "إير أوشيان" تركيزها. فالدقة التي تدعو إليها في العمل الصحفي يجب أن تبدأ بالنزاهة في التواصل. ورغم تفهم رغبتها في الحفاظ على صورتها، من الصعب قبول محاولتها التلاعب بما يعتبر، وفقًا لجميع التعريفات، تحطما، حتى وإن لم يسجل أي ضحايا.

باختصار، أخفقت "إير أوشيان" في نزولها الإعلامي كما أخفقت في هبوطها الفعلي. هذه ليست دراما، بل حقيقة.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال