نشر المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية نتائج النسخة الثالثة من البحث المسحي الوطني حول الرابط الاجتماعي، مشيرا إلى أنه تم إنجاز الدراسة الميدانية ما بين شهري دجنبر 2022 وفبراير 2023.
واعتمدت الدراسة على عينة تمثيلية تضم 6000 شخص، تفوق أعمارهم 18 سنة ويتوزعون على جميع مناطق المملكة. وجاء فيها أن التسلسل الهرمي للمطالب الاجتماعية التي عبر عنها المغاربة يسلط الضوء على هيمنة المطالب المادية، بما في ذلك تحسين القدرة الشرائية والعمل للجميع.
وأوضح المعهد أن الارتفاع المفاجئ الذي تضاعف أربع مرات في غضون 7 سنوات، بين عامي 2016 و 2023، لسمة "التحسن في القوة الشرائية" لم يكن ليحدث لولا مشاركة الطبقات الوسطى، التي قرر بعضها الانضمام إلى الفقراء في مطالبهم.
وبخصوص التعايش السلمي، أبرزت لدراسة أن الفقر والظلم الاجتماعي والرشوة يعدون من بين العقبات الرئيسية التي تحول دون العيش معا بسلام، على الرغم من انخفاضها بشكل طفيف مقارنة مع النسخ السابقة، حيث تتفوق هذه العوائق على المشاكل الثقافية التقليدية الأخرى مثل الفردية واللامبالاة. أما الفظاظة والتطرف الديني فقد تراجعا إلى المراتب الأخيرة.
كما أظهرت نتائج الدراسة انخفاض الثنائية اللغوية كخيار لغوي مفضل لدى المغاربة بشكل طفيف في عام 2023، لكنها لا تزال تهيمن على ما يربو بقليل عن نصف المواقف (50.8%).
فيما يخص التعليم، أعرب ما يقرب من ثلاثة أرباع المغاربة عن تفضيلهم للعربية الفصحى كلغة أولى. وعلى الرغم من تضاعف معدل تفضيل الدارجة ثلاث مرات منذ عام 2016، إلا أنه لا يتجاوز 11% في عام 2023. بينما لا يجد إضفاء الطابع الرسمي على الأمازيغية، ولا سيما بوصفها لغة تعليم، صدى كاف لدى المغاربة، وتظل المطالب المتكررة بشأن هذا الموضوع "مسألة نخبوية". ولعل أكبر دليل على ذلك بقاء نسبة تفضيل الأمازيغية كلغة رئيسية للتعليم على حالها (5% من المغاربة) ما بين 2016 و 2023.
وتؤكد الديناميات الجديدة فيما يخص استخدام اللغات الدولية وتعلمها تأثير الانفتاح الدبلوماسي على الفضاء الأنجلوسكسوني، حيث أكدت الدراسة أن التوازن بين الإنجليزية والفرنسية كلغة ثانية للتعليم على وشك أن ينعكس. فعلى الرغم من أن تفضيل المغاربة للغة الفرنسية لا يزال مهيمنا، فقد انخفض هذا التفضيل من 63.5% في عام 2016 إلى 36.9% في عام 2023، مقابل زيادة كبيرة في تفضيل اللغة الإنجليزية، حيث تضاعفت هذه النسبة تقريبا (22% في عام 2023 مقارنة بـ 12% في عام 2016).
الثقة في المؤسسات والأفراد والإعلام والمستقبل
تبقى درجة الثقة في المؤسسات السيادية والتعليمية هي الأعلى. في حين أن الثقة المؤسساتية لا تزال تواجه صعوبة في ترسيخ ذاتها في فضاءات الديمقراطية التمثيلية، على الرغم من التحسن النسبي الذي تم تسجيله منذ عام 2011.
وسجلت الثقة بين الأفراد بعض علامات التحسن في بحث عام 2023، حيث تضاعف معدل الثقة بين الأشخاص أربع مرات، من 5% في عام 2016 إلى 20% في عام 2023. ومع ذلك، لا يزال أربعة من كل خمسة مغاربة يعتقدون في عام 2023 أن الناس ليسوا جديرين بالثقة. ويؤشر هذا التطور على استمرار عدم الثقة بين الأفراد في المغرب.
وفي الشق المتعلق بالشعور بالأمن أظهرت الدراسة تراجع مخاوف المغاربة بشأن الأمن وبأنه لم يعد الشغل الشاغل بالنسبة لهم، حيث انخفضت نسبة المواطنين الذين لا يشعرون بالأمن على الإطلاق أو بالأمن الكافي بشكل كبير، من 23% في عام 2016 إلى 15.3% في عام 2023.
وبخصوص الثقة في المستقبل أعربت الغالبية العظمى من المغاربة عن ثقتهم في الآفاق الاقتصادية للمملكة على الأمد المتوسط (5 سنوات). حيث يتفوق الفريق المتفائل (37%) والفريق المحايد (45%) بشكل واضح من حيث الثقة في المستقبل. تظل نسبة قليلة من السكان (18%) متشائمة فيما يخص الظروف الاقتصادية في المغرب خلال السنوات الخمس القادمة مقارنة بالوضعية الحالية.
واقتناعا منهم بأن المغرب يتوفر على مؤهلات كبيرة لمواجهة المخاوف متعددة الأبعاد التي تواجه العالم، فإن 72% من المغاربة واثقون بخصوص الانتعاش الذي عرفته المملكة مؤخرا على الصعيد الدبلوماسي، والذي سيسمح لها بتعزيز إشعاعها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبقدرة المغرب على تأكيد نفسه وبروزه كقوة اقتصادية إقليمية.
ويعبر 84% من المغاربة عن خوفهم من أن يكون السياق الحالي للأزمات العالمية المتعددة مصدر قلق حقيقي على مستقبلهم.
وفي جانب الإعلام والتواصل والعالم الافتراضي كشفت نسخة 2023 من البحث الوطني حول الرابط الاجتماعي عن نمو هائل في استخدام الإنترنت في الحياة الاجتماعية والمهنية للمغاربة، في وقت يبدو فيه أن مساهمة الإذاعة والتلفزيون في تعزيز الرابط الاجتماعي آخذة في الانحسار، رغم أنهما كانا يتمتعان بدور إيجابي إلى حد ما في عام 2016
ويعتقد 71% من المغاربة أن الفضاء الافتراضي يشكل تهديدا للتماسك الاجتماعي في المغرب، وفقًا لـ 85% من المغاربة، تساهم شبكات التواصل الاجتماعي في انتشار الأخبار الكاذبة والزائفة.