بعد أربعة أيام فقط من برقية التهنئة التي بعث بها الملك محمد السادس إلى الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع. أرسل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وزير خارجيته إلى دمشق في خطوة تعكس تحوّلًا في موقف الجزائر، التي كانت حتى وقت قريب تعتبر الشرع "إرهابيًا".
رسائل دبلوماسية جزائرية.. واستقبال فاتر
وفقًا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الجزائرية، فقد " شكّل اللقاء فُرصة لبحث آفاق تعزيز علاقات الأخوة والتضامن والتعاون بين البلدين والشعبين الشقيقين، استناداً إلى ما يجمعهما من روابط تاريخية مُتجذرة".
كما أضاف البيان أن الجزائر مستعدة للإسهام "سواء على الصعيد الثنائي أو من موقعها بصفتها العضو العربي بمجلس الأمن الأممي، في دعم ومُرافقة المساعي الرامية للم شمل الشعب السوري حول مشروع وطني جامع يعيد بناء مؤسسات الدولة ويوفر مقومات الأمن والاستقرار والتنمية والرخاء".
ورغم هذه التصريحات، فإن الاستقبال الذي حظي به عطاف لم يرق إلى مستوى التوقعات الجزائرية. فقد تعاملت وسائل الإعلام الرسمية السورية مع الزيارة ببرود واضح، إذ اكتفت وكالة الأنباء السورية بنشر خبر مقتضب جاء فيه " استقبل رئيس الجمهورية السيد أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني وفداً رفيع المستوى من الجمهورية الجزائرية برئاسة السيد أحمد عطاف وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية الجزائري." ولم يُرفق الخبر سوى بثلاث صور، دون أي تغطية إعلامية بارزة.
كما لم يحظَ وصول عطاف إلى دمشق بأي تغطية تُذكر على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية السورية أو صفحتها على فيسبوك، باستثناء بيان مقتضب على منصة إكس مرفق بأربع صور، وهو تعامل إعلامي متحفظ يتناقض مع الاهتمام الذي حظي به الاتصال الهاتفي الأخير بين وزير الخارجية السوري ونظيره المغربي ناصر بوريطة.
خشية جزائرية من تكرار السيناريو الليبي
إلى جانب تعزيز العلاقات الثنائية، كان الهدف الأساسي لزيارة عطاف إلى دمشق هو السعي لضمان استمرار اعتراف سوريا بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، وهو الاعتراف الذي أقرّه نظام حافظ الأسد عام 1980.
ويعكس هذا التحرك الجزائري مخاوف من تكرار السيناريو الليبي، إذ قطعت الحكومة الليبية الجديدة، عقب سقوط نظام معمر القذافي في شتنبر 2011، جميع علاقاتها مع جبهة البوليساريو، وذلك بعدما كشفت تقارير عن مشاركة مقاتلي الجبهة إلى جانب قوات القذافي خلال النزاع الليبي.
وتشير التقارير إلى أن الجزائر تبذل جهودًا حثيثة لضمان عدم حدوث موقف مشابه في سوريا. ويُعد ملف مقاتلي البوليساريو المعتقلين لدى السلطات السورية الجديدة أحد أبرز أولويات الدبلوماسية الجزائرية. وكما سبق لموقع يابلادي أن كشف، فإن البوليساريو، بدعم مباشر من الجزائر، كانت قد أرسلت مقاتلين لدعم نظام بشار الأسد ضد الفصائل التي أصبحت اليوم ممسكة بزمام السلطة في دمشق.
بهذا، تبدو زيارة أحمد عطاف خطوة استباقية تهدف إلى احتواء أي تغير محتمل في الموقف السوري، وسط تحولات جيوسياسية تُضعف النفوذ الجزائري في المنطقة.