القائمة

أخبار

الصحراء في وثائق المخابرات الأمريكية #14: طرد إسبانيا من الصحراء.. المغامرة الكبرى للحسن الثاني

أشارت وثيقة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، يعود تاريخها إلى بداية أكتوبر من سنة 1975، إلى أن الملك الحسن الثاني يخطط لشن حرب ضد إسبانيا من أجل طردها من الصحراء، وحذرت من أن فشل الخطوة قد يؤدي لانقلاب عسكري في المملكة، ليتضح فيما بعد أن العاهل المغربي الراحل كان يخطط لجلاء الإسبان لكن عن طريق مسيرة سلمية، أطلق عليها اسم المسيرة الخضراء.

نشر
الملك الراحل الحسن الثاني
مدة القراءة: 5'

قبل أسبوعين من إعلان الحسن الثاني في خطاب إلى الشعب المغربي عن تنظيم المسيرة الخضراء لاسترجاع الأقاليم الصحراوية، وطرد المحتل الإسباني، كانت المخابرات الأمريكية تتابع عن كثب التحركات المغربية، واعتقدت أن المملكة تحضر لعمل عسكري من أجل طرد الإسبان.

وتشير مذكرة وجهتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في 3 أكتوبر 1975، إلى هنري كيسنجر بصفته مستشارا لشؤون الأمن القومي، إلى أن "استمرار التواجد الاسباني في الصحراء، قد يتسبب في صراع خطير"، وتابعت أن "القتال المطول والخسائر الفادحة في صفوف الإسبان يمكن أن يثير أزمة سياسية في مدريد".

ولم تستبعد الوثيقة التي تحمل عنوان "خطط مغربية لغزو الصحراء الإسبانية"، "دخول الجزائر في الصراع " بالمقابل "من المرجح أن تتجنب موريتانيا، التي تطالب أيضًا بالصحراء الإسبانية، أي تدخل عسكري".

خسارة الحرب تعني انقلابا عسكريا في الرباط

وتشير الوثيقة التي رفعت عنها السرية يوم 14 شتنبر 2000، إلى أن الملك الحسن الثاني اتبع "سياسة عالية المخاطر بشأن الصحراء الإسبانية لبعض الوقت. وفي غشت الماضي، أكد من جديد عزمه على الاستحواذ على شركة ساهايا الإسبانية قبل نهاية العام"، وعلى الرغم "من أنه وعد آنذاك بانتظار رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن المطالب المغربية الموريتانية بالإقليم، إلا أنه ربما قرر الآن التصرف في لحظة يرى فيها ضعفًا إسبانيًا".

وواصلت الوثيقة أن "هناك أيضًا قلق متزايد في الرباط من أن قرار المحكمة قد يكون متناقضًا أو في غير صالح المغرب وأن تقرير بعثة تقصي الحقائق التابعة للجنة الأمم المتحدة المعنية بإنهاء الاستعمار سيؤيد استقلال الإقليم. وأخيراً، من الممكن أن يكون الحسن قد استنتج أن تدخل القوات المسلحة سوف يثير وساطة دولية مواتية".

وأكدت الوكالة أن معظم المغاربة يؤيدون الملك الحسن الثاني بخصوص الصحراء الإسبانية، و"لكن إذا فشلت المقامرة العسكرية فقد يواجه مشكلة خطيرة ويكون عرضة للانقلاب".

"تتوقع الرباط مقاومة فعالة فقط من حوالي 5000 جندي إسباني في الصحراء ووحدات من القوات الجوية الإسبانية المتمركزة في جزر الكناري وربما من القوات البرية الجزائرية. ويشكك المغاربة في أن الجزائر ستتدخل عسكريا، لكن المغرب أفاد بذلك. لدينا أدلة، على أية حال، على أن قوات عربية أخرى تصل إلى المغرب".

وثيقة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية

وبحسب الوكالة فإن القوات العربية "تصل بسرعة عن طريق الجو دون أن يتم اكتشافها. نحن نشك في أن معظم العرب الشرقيين قد يورطون أنفسهم في صراع عربي عربي محتمل إلا في دور الوساطة، على الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية قد تكون استثناءً".

الوثيقة ذاتها تشير إلى أن المغرب احتفظ بحوالي ربع جيشه البالغ عدده أكثر من 55.000 جندي في جنوب المغرب منذ منتصف عام 1974، على الرغم من مشاكل الإمدادات الكبيرة، وانخفاض معنويات القوات بسبب الظروف البدائية، وتؤكد "أن المغاربة سيواجهون مع ذلك عقبات كبيرة في شن ومواصلة هجوم كبير ضد القوات الإسبانية أو الجزائرية".

وأوضحت الوكالة أن الملك الحسن الثاني إذا كان قد قرر شن الحرب "فإننا نعتقد أنه قد أخطأ بشكل خطير في تقدير الرد الإسباني المحتمل على الغزو. وعلى الرغم من أن مدريد لا تريد البقاء في الصحراء الإسبانية أو خوض حرب استعمارية، فإن القوات الإسبانية في الصحراء ستقاوم الإخلاء القسري. وفي الوقت نفسه ستدعو مدريد الأمم المتحدة إلى استعادة السلام وتطلب من واشنطن دعمها".

تداعيات الحرب على إسبانيا

ورأت المذكرة أنه في البداية من شأن الصراع المسلح مع المغرب أن يوحد معظم الإسبان ويساعد النظام على تحويل انتباه الرأي العام بعيدًا عن المشاكل الداخلية. ومع ذلك، إذا استمر القتال، فقد تصبح الحرب قضية أخرى من شأنها أن تقسم الإسبان.

وقد يظهر الانقسام بحسب المذكرة أيضاً في صفوف الجيش ـ الذي كان حتى الآن العنصر الأكثر استقراراً في المجتمع الإسباني ـ والذي قد يختلف في نهاية المطاف حول مزايا خوض حرب من أجل منطقة أعلنت الحكومة بالفعل أنها مستعدة للتخلي عنها".

وبخصوص الجزائر التي تؤيد استقلال الصحراء الإسبانية، فإنها قد تنأى بنفسها عن التدخل العسكري المباشر، "ومع ذلك، فإنها ستخلق أكبر عدد ممكن من المشاكل للمغرب. ونتوقع أن تدعم الجزائر جبهة البوليساريو، وهي جماعة صحراوية مؤيدة للاستقلال، في شن  تمرد مستدام. وقد تقوم الجزائر أيضاً بتحريك قوات إلى الحدود الشمالية للمغرب لممارسة الضغط على الملك الحسن وتجديد دعمها للمنشقين المغاربة".

وواصلت "ومن شبه المؤكد أن الجزائريين سيبذلون جهدًا دبلوماسيًا دوليًا مكثفًا للتنديد بالعدوان المغربي". وفي حال تدخلت الجزائر بقوة عسكرية مباشرة، "قد يحقق المغاربة بعض النجاح الأولي لأنهم يفوقون عدد القوات المقدر بـ 4000 إلى 6000 جندي المتواجدين في جنوب غرب الجزائر. ومع ذلك، يمكن للقوات الجوية الجزائرية التي تضم حوالي 200 طائرة مقاتلة أن تقلب الدفة ضد الطائرات المقاتلة المغربية الأربعين، وأن تلعب دوراً حاسماً في دعم القوات البرية الجزائرية، التي هي تقريباً نفس حجم القوات المغربية".

مفاجأة الحسن الثاني

لكن وعلى عكش ما توقعه الأمريكيون، فقد انتظر الملك الحسن الثاني صدور قرار محكمة العدل الدولية، وأعلن في اليوم ذاته (16 أكتوبر 1975) في خطاب ألقاه عبر القناة الوطنية، عن تنظيم مسيرة خضراء باتجاه الصحراء.

في الخامس من شهر نونبر من سنة 1975، وجه الحسن الثاني خطابا للمتطوعين للمسيرة قائلا: غدا إن شاء الله سنخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غدا إن شاء الله ستطؤون طرفا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز".

وفي التاسع من نونبر طلب الحسن الثاني، من المشاركين العودة لتبدأ المفاوضات التي أسفرت في 14 من الشهر نفسه عن توقيع اتفاقية مدريد التي تخلت بموجبها إسبانيا عن إقليم الصحراء ليقتسم بين المغرب وموريتانيا.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال