توفي يوم السبت السياسي الإسرائيلي من أصل مغربي تشارلي بيتون، عن عمر ناهز 76 سنة، وهو نائب يساري سابق اشتهر بتأسيس حركة "الفهود السود" الإسرائيلية الهادفة إلى اعتراف أكبر باليهود الشرقيين في إسرائيل عن 76 عاما.
وكتب الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ عبر منصة "إكس" أن تشارلي بيتون كان رجلا "شجاعا وحازما" ناضل دفاعا عن اليهود الشرقيين والشرائح الأقل حظا في المجتمع، لافتا إلى أنه يتذكر "نقاشاتهما الطويلة والعميقة" عن المجتمع الإسرائيلي وحاجته إلى "الشفاء".
وبيتون من مواليد الدار البيضاء في أبريل 1947، وهاجر مع عائلته إلى إسرائيل عندما كان في الثانية من عمره، واصطدم عندما كان مراهقا بالتمييز ضد اليهود من شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
قائد ثورة اليهود المغاربة داخل إسرائيل
آنذاك كان اليهود المغاربة الذين يشكلون اليوم ثاني أكبر جالية في إسرائيل بعد اليهود من أصل روسي، ينظر إليهم وإلى اليهود القادمين من الدول العربية بصفة عامة (السفارديم) بكونهم مواطنين من درجة ثانية، بينما كانت تمنح الامتيازات لليهود من أصول أوروبية (الأشكناز).
بل وكان التمييز حتى بين اليهود المغاربة أنفسهم، حيث يشير موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى أن القيادة اليهوديّة وضعت "شروطًا للهجرة إلى إسرائيل، وفضّلت قبول المغاربة الشبّان والمعافين، الذين يمكنهم المساهمة في تطوّر الدولة الفتيّة، فيما اضطُرّ المسنّون والمرضى إلى البقاء في المؤخرة، ومات كثيرون منهم قبل الحصول على فرصة الهجرة".
ومنذ إعلان قيام إسرائيل أمسك الأشكناز بمراكز السلطة، وحاولوا تقديم إسرائيل بأنها دولة حديثة على الطراز الأوروبي.
وبدأت بوادر الاحتجاج على الوضع القائم في "أرض الميعاد" سنة 1959، حين جرفت موجة من التظاهُرات مدينة حيفا بعد أن أطلق شرطيّ إسرائيلي النار على شخصٍ من أصل مغربيّ في حيّ وادي الصليب في المدينة، وكان ردّ فعل الشرطة عنصريًّا بحدّ ذاته، إذ اتّهمت المتظاهرين بأنهم سكارى وعاطلون عن العمل.
وفي أوائل السبعينات سيتخذ رفض اليهود من أصل مغربي للوضع، منحى آخر، حين قرر عدد منهم تأسيس حركة يسارية تحت اسم "الفهود السود".
وتزعم تشارلي بيتون مؤسسي الحركة، إلى جانب سعدية مارسيانو الذي ولد في 1 ماي 1950 بمدينة وجدة، ورَؤوبين أبارجل الذي ولد سنة 1943 بمدينة الرباط.
وبعد تأسيسها، طالبت الحركة الإذن بالتظاهر السلمي أمام بلدية القدس، احتجاجًا على الهوة الاجتماعية، وجاء القرار بالرفض من رئيسة الوزراء غولدا مائير، دون إبداء الأسباب، وفي المساء نفذت الشرطة اعتقالات احترازية أدت إلى اندلاع المظاهرات.
وجرت اشتباكات شملت معظم المدن التي يعيش فيها اليهود من أصل شرقي، رفعت خلالها شعارات تطالب بإسقاط "دولة الأشكناز".
وفي سنة 1974 اعتقل سعدية مارسيانو بتهمة إلقاء قنبلة على مكتب حاخام، وحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر، وكان هذا الاعتقال وحملات التفتيش والتنكيل بأعضاء الحركة هو ما أشعل شرارة المواجهات من جديد، وقد ردت الحكومة بعنف واعتقلت قادة المنظمة التي أطلقت مظاهرات عارمة هزت البلاد بعنف.
وأمام تصاعد موجة الغضب، استجابت الحكومة لمطلب مناقشة مطالب "الفهود" بجدّية، وشكلت لجنة عامّة للتحقيق. وأظهرت نتائج التحقيق أنّ طبقات عديدة في إسرائيل جرى التمييز ضدّها. في أعقاب ذلك، ازدادت بشكل ملحوظ ميزانيات الوزارات التي تُعنى بالشؤون الاجتماعيّة.
كما أن احتجاجات اليهود من أصل مغربي أدت إلى الإطاحة بسلطة حزب مباي (حزب عمّال أرض إسرائيل) عام 1977، وإيصال حزب الليكود برئاسة مناحيم بيجن إلى السلطة للمرة الأولى.
وسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين
وفي سنة 1977، انتُخب بيتون عضوا في الكنيست تحت راية الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (يسار) واحتفظ بمقعده لمدة خمسة عشر عاما، واستمر في الدفاع عن اليهود السفارديم.
وإلى جانب ذلك، كان بيتون بمثابة جسر تواصل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، خلال سنوات الثمانينات، حيث تشير وكالة الأنباء الفرنسية إلى أنه نقل في شتنبر 1987 رسالة شفهية من إلى القادة الإسرائيليين، من زعيم منظمة التحريرالفلسطينية الراحل ياسر عرفات، حدد فيها ثلاثة شروط للاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها.
وانتهت المفاوضات بين الجانبين في 13 شتنبر 1993 بتوقيع اتفاقات أوسلو التي أدت إلى اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل، وإنشاء السلطة الفلسطينية.